كتاب 11

10:01 صباحًا EEST

الوزير الذى استحى!

لا أكاد أصدق أن يكون الدكتور أيمن فريد أبوحديد، وزير الزراعة، الذى قال كلاماً عن بنك التنمية والائتمان الزراعى، صباح الخميس، هو ذاته أيمن فريد أبوحديد، الذى قال كلاماً مناقضاً، عن البنك نفسه صباح الجمعة، ثم لا أصدق أن يحدث هذا ونحن على مسافة ساعات من انتخابات رئاسة المفروض أنها تأخذنا إلى عصر جديد ومختلف!

ففى اليوم الأول، قال الرجل صراحة، إنه لا إسقاط لديون الفلاحين لدى البنك، مرة أخرى، وإن البنك قد خسر 4 مليارات جنيه، بسبب عمليات إسقاط من هذا النوع، على مدى سنوات مضت، وإن كل ما يمكن للبنك أن يقدمه، فيما يخص الديون، هو التيسير فى حساب فوائد أصل الدين، بحيث يمكن – مثلاً – إسقاط الفوائد كاملة، إذا سدد الفلاح ديونه بالكامل، وبحيث يمكن إسقاط نصف الفوائد، إذا ما بادر الفلاح المدين بسداد نصف ديونه.. وهكذا.. وهكذا!

وفى اليوم الثانى، أخذ الرجل عدة خطوات مفاجئة إلى الوراء، وتراجع عما قاله فى اليوم الأول، وقال – ما معناه – إن إسقاط الديون عن الفلاحين مرتبط بتوافر غطاء مالى فى البنك، لأن أمواله المفروض أنها أموال مودعين ومساهمين، ولأن التعاملات مع البنك يجب أن تخضع فى كل أحوالها للقواعد المصرفية المتعارف عليها، ولأن.. ولأن.. إلى آخر ما قاله، مما يمكن اعتباره تراجعاً من النوع «الشيك» عما قاله به فى يومه الأول!

أما أهم ما جاء على لسانه، أثناء تراجعه، فهو كلامه عن أن المليارات الأربعة، التى خسرها البنك فيما مضى، كانت بسبب «الإعفاءات والمبادرات السياسية»!

وأما هذه العبارة الأخيرة، فهى تعبير دبلوماسى للغاية عن شىء آخر اسمه الرشاوى الانتخابية، ويبدو أن الدكتور أيمن قد استحى أن يسمى الأشياء بمسمياتها، فلم يجد أفضل من أن يطلق على الرشاوى الانتخابية مسمى جديداً تماماً، هو الإعفاءات والمبادرات السياسية.

ولابد أنه يعرف أن تغيير المسمى لن يغير من المضمون شيئاً، ولابد كذلك أنه يعرف أن تراجعه معناه أن يستمر البنك على أسلوبه الحالى فى التعامل مع أموال مودعيه ومساهميه، وهو أسلوب ليس له إلا نهاية واحدة معروفة فى العالم كله: إفلاس البنك وإغلاق أبوابه!

وأصارحكم بأن فى داخلى يقيناً، بأن الوزير لم يتراجع من تلقاء نفسه، وأن ضغوطاً من نوع ما، فى الدولة، قد مورست، وأنه قد قيل له إننا على أبواب انتخابات، وإننا فى حاجة لأصوات الفلاحين، وأن تصريحات كهذه يمكن أن تفقدنا أصواتهم، فتراجع الرجل مضطراً، ولو تركوه لنفسه ما كان – فى ظنى – ليتراجع أبداً، غير أنه اشتغل فى اليوم الأول وزير زراعة بجد، ثم لم يجد فى اليوم التالى مفراً، من أن يكون، ربما رغم أنفه، رجل سياسة.. لعن الله السياسة، وساس، ويسوس، وجميع مشتقات الكلمة، كما قال ذات يوم، الإمام محمد عبده!

كنت أتمنى ألا يتراجع الدكتور أيمن، وأن يتمسك بموقفه، وأن يشتغل وزير زراعة محترفاً، لا رجل سياسة، وأن يعمل ما يجنب البنك، فى المستقبل، الإفلاس الكامل، وإغلاق أبوابه، وأن يكون فى الوقت نفسه فى صف الفلاح طبعاً، بأن يقول – مثلاً – إن ديونه يمكن أن يكون لها حل، لأنه لا مشكلة إلا ولها حل، وأنه يمكن أن يكون لها ألف حل، على ألا يكون من بين هذه الحلول إسقاط الديون.

كنت أتمنى هذا، غير أن الضغوط، فيما بدا، كانت قوية للغاية، إلى حد لم تسمح معه للوزير، بأن يتنفس، فتراجع فى أقل من 24 ساعة!

وكنت أتصور أننا ندخل عصراً جديداً، لا مكان فيه لممارسات ثبت فشلها، وسوء عواقبها، غير أن تصورى قد تبدد، فإذا بنا فى عام 2014، وبعد ثورتين، نعمل بالسياسات نفسها التى كانت قبل الثورتين!!

التعليقات