عرب وعالم
اشتعال الحرب الداخلية بـ«قطر» بين الأمير وعائلة الشيخة «موزة»
قالت صحيفة «البناء» اللبنانية، أن هناك صراعا على السلطة في قطر، وهو الصراع المرشح لأن يتفاقم أكثر خلال الفترة المقبلة.
ونقلت الصحيفة اللبنانية عن مصدر عربي، قوله، إن قطر تعيش حاليًا هواجس عدم التجانس بين طرفين للصراع الأول يمثله الأمير “تميم” الحاكم الحالي لقطر، والثاني يمثله “آل مسند”، أي عائلة والدته “موزة بنت مسند”، ويتأتى نفوذ آل مسند من كونهم يمسكون بنسبة عالية بزمام المؤسسات الأمنية داخل قطر.
الصحيفة ذكرت أن ما كان يجمع بين تميم وأمه موزة هدف واحد، وهو إقصاء نفوذ “حمد بن جاسم” رئيس الوزراء السابق، وبعد تحقق الهدف، ظهرت تناقضات بين آل مسند وبين تميم.
و”تميم” لا يزال يعتبر أن استخدام ورقة الإخوان مفيدة، والمطلوب حاليًا هو إظهار سياسة معلنة تراعي حساسية السعودية تجاه دعم الدوحة للإخوان في المنطقة، من دون التخلي عنهم عمليًا.
أما آل مسند الذين يعبّرون عن رأي المؤسسات الأمنية في قطر، فهم يرون أنه يجب ممارسة سياسة متصالحة مع التوجه العام في الخليج بخصوص الموقف من الإخوان، وبالتالي المطلوب فك العلاقة معهم واتباع إستراتيجية الاهتمام بقطر داخليًا.
وتضيف هذه المصادر أنّ هذا الصراع لا يزال يتفاعل تحت مستوى القدرة على ضبطه حتى الآن، ذلك أن موزة تنجح المرة تلو الأخرى في تدوير زوايا الخلاف على هذا الموضوع بين ابنها الأمير وأخواله آل مسند.. ولكن الاستمرار في مسار تأجيل حسم الخلاف بين مركزيْ النفوذ في العهد القطري الجديد آل مسند من ناحية وتميم من ناحية أخرى بات يهدّد بالوصول إلى نقطة الانفجار.
وما يجعل الأمر أكثر خطورة من وجهة نظر مصادر مراقبة لمعادلة الحكم الداخلي في قطر، هو حقيقة أنّ الأمير الشاب غير قادر على خوض معركتين داخليتين في آن واحد والمقصود هنا معركته لمطاردة بقايا نفوذ الشيخ حمد بن جاسم التي لم تنته حتى الآن على نتيجة حاسمة، ومعركته لإنشاء حالة غلبة بشأن الإخوان ضدّ آل مسند الممسكين بأدوات الأمن الداخلي في قطر.
ويسلط المصدر الضوء على معلومات جديدة عن الصراع المكتوم الذي يخوضه تميم منذ وصوله إلى الحكم حتى الآن ضدّ حمد بن جاسم لاستئصال كلّ نفوذه المالي والسياسي في قطر.
وفي التفاصيل أنّ الشيخ حمد بن جاسم، منذ خروجه من الحكم، وهو يثابر على الإقامة في لندن. ويقوم بزيارة الدوحة بأسلوب «حرب العصابات السياسية»، حيث ينتقي توقيتات مدروسة لها. وبالمقابل تشيع في الكواليس القطرية السياسية أخبار حنق الأمير تميم على حمد، حيث يستمرّ منذ وصوله إلى السلطة بمطاردة دوائر نفوذه داخل قطر.
ومنذ الصيف الماضي حتى اليوم، زار حمد بن جاسم قطر مرات قليلة. وكانت المرة الأولى منذ خروجه من الحكم هي الأصعب. حينها اختار حمد بذكاء شديد «مناسبة» تمكّنه من الوقوف إلى جانب الأمير الجديد ووالده حمد في حفل واحد. وكانت المناسبة التي انتقاها هي حفل زفاف ابن أحمد الهديفي. وهذا الأخير يكنّ له كلّ من تميم ووالده محبة كبيرة لأنه كان من موقعه كمسئول عن الاستخبارات القطرية خلال لحظة انقلاب الأمير الأب على والده، أسدى له خدمات ساعدت على تكريس أسس عهده الداخلية. كما زار حمد بن جاسم الدوحة قبل نحو أربعة أشهر، واتسمت بلقاء مطول له مع الأمير الأب.
وما كاد ينفضّ زفاف ابن الهديفي خلال زيارته الأولى حتى عادت قطيعة الشيخ تميم لتحاصر حمد بن جاسم. ومعها تجدّدت حرب إيصال الرسائل المشفّرة إليه، وكلها تنذره بأنه داخل دائرة استهداف الحكم الجديد.
أولى هذه الرسائل وصلته عن طريق نجله جاسم بن حمد، وهو رئيس مجلس إدارة أحد المصارف. وكان جرى الصيف الماضي استدعاؤه من قبل الأجهزة القضائية المالية للتحقيق معه بقضايا فساد مالية. لم يتمّ توقيفه أو توجيه أية تهمة محدّدة إليه، ولكن حمد بن جاسم المقيم في لندن، والذي اختبر خوض هذا النوع من حروب الرسائل المشفّرة خلال مرحلة نفوذه، فهم جيدًا الرسالة الموجهة إليه من خلال طريقة التعاطي مع نجله.
وبحسب مقربين منه، فإنّ حمد بن جاسم لا يزال حتى هذه اللحظة يشعر بأنه يحظى بضمانة الأمير الأب غير المقتنع بنظرية نجله تميم بخصوص توجيه ضربات استباقية إليه فالأب – بحسب هؤلاء – مقتنع بأنّ حمد بن جاسم لا ينوي العمل من أجل تقويض حكم تميم، وأنه ملتزم بصفقة خروجهما معًا من الحكم تلبية لاحتياجات شئون على صلة بمصالح قطر العليا. ولكن تميم وأركانه المسكونين بروح مساءلته، وبخاصة آل العطية، يعتقدون أنه يشكّل خطرًا على العهد الجديد سواء بقيَ في قطر أو خرج منها، بل هم يرون أنّ خطره الخارجي عليهم هو أبعد أثرًا وأقوى، نظرًا إلى سعة آفاق علاقاته الخارجية. وعليه فإنّ المطلوب إنهاء كلّ بقايا نفوذه السياسي والاقتصادي في الداخل.
وبحسب معلومات لـ«البناء» فإنّ تميم وجه إلى حمد بن جاسم منذ وصوله إلى الحكم لغاية هذه اللحظة عدة لكمات قوية، كانت أولاها منذ بدء تحضيره ليخلف والده. فقبل نحو ستة أشهر على إعلان خروج حمد بن جاسم من السلطة، وكانت آنذاك بدأت نذُر التحوّل السياسي داخل قطر تؤشر إلى أنها ستكون على حسابه، حرّك الأمير تميم ضدّه، وذلك من وراء كواليس سلطته الخفية حينها، قضية اختلاسات مالية باتت تعرف في الكواليس القطرية بـ»ملف غانم بن سعد». آنذاك تمّ استدعاء الأخير للمثول أمام لجنة تحقيق قضائية مالية. ولكن حمد بن جاسم وظف حينها نفوذه في السلطة وعاند رافضًا مثول بن سعد المحسوب عليه أمامها. غير أن رفضه هذا تبدّد فور خروجه من جنة الحكم.
والواقع أن صلة الربط بين بن سعد وبين حمد بن جاسم ليست خافية، فهو أحد أبرز الرجال المحسوبين عليه. وطيلة فترة نفوذه في السلطة كان يُنظر إلى بن سعد بوصفه أحد أهم واجهاته المالية المنفّذة لطموحاته الخاصة والعامة. وكان حمد عيّن غانم رئيسًا لمجلس إدارة شركة «بروة»، وهي شركة عقارية استثمارية، مملوكة من الدولة بحصة كبيرة إلى جانب مساهمين قطريّين بحصص متفرّقة قليلة. وتبلغ نسبة استثمارات شركة «بروة» داخل قطر من مجمل محفظتها الاستثمارية 95 في المئة.
وإلى شركة «بروة»، فإنّ حمد بن جاسم تخلّى عن منصب رئيس مجلس إدارة شركة «قطري للاستثمار» ليعيّن بن سعد في منصبه فيها. وتمثل هذه الأخيرة الصندوق السيادي القطري للاستثمار حول العالم.
ومنذ خروج حمد بن جاسم من الحكم، تتابع الجهات القضائية المالية القطرية تحقيقاتها مع غانم بن سعد بتهمة اختلاسات مالية ارتكبها خلال إدارته لهاتين الشركتين. ويبلغ حجم المبلغ المالي المتهم باختلاسه لها نحو 8 مليارات دولار.
وتضمر هذه الاتهامات إلى بن سعد، قضية أنه كان يقوم بها لمصلحة حمد بن جاسم. وخلال بدايات الشتاء الماضي اختتم التحقيق معه بعد اعترافه بمعظم التهم الموجهة إليه، وبينها تحويل أموال من حساب الشركتين إلى حساب وهمي في الخارج، وقيامه بشراء ثلاثة فنادق في أمستردام وكان الفرنسية ومدريد. وتضمّنت التحقيقات معه تسجيل أنه رغم تصريح بن سعد بأنّ سبب شراء الفنادق هو الاستثمار لمصلحة شركة «قطري»، إلا أن الأخيرة لم تفد منها أبدًا.
وتم قبل أشهر إطلاق سراح بن سعد بعد تنازله للدولة القطرية عن كلّ أملاكه في الخارج المقدرة بنحو خمسمائة مليون يورو. وهي جزء من مجمل الاختلاسات المالية المتهم بها، والتي اعترف بها جميعًا أمام محققي أجهزة القضاء المالي القطري.
ويوجد الآن بن غانم قيد الإقامة الجبرية، وإذا كان ملف اعترافاته باختلاساته المالية قد انتهى، فإنّ فتح ملف صلة هذه الاختلاسات بحمد بن جاسم لا يزال معلقًا ومحلّ إرجاء مقصود من قبل الشيخ تميم. وبالنسبة إلى الشيخ حمد بن جاسم فإنّ المعادلة المعروضة عليه واضحة، ومفادها أنّ أيّ نشاط سياسي يقوم به سيقابَل بفتح ملف اختلاساته المالية، وبكلام أدق إنشاء الربط الواضح بين ملف غانم بن سعد وحقيقة أنه هو الجهة التي كانت تقف وراء كلّ ارتكاباته.
وإضافة إلى ملف غانم، بدأت خلال هذا العام، بتكليف من الدولة القطرية، شركات عالمية مالية متخصصة بالتدقيق في حسابات كلّ المؤسسات المالية والشركات التابعة بشكل مباشر وغير مباشر لدولة قطر حول العالم، وذلك كنوع من المطاردة الواضحة لتفاصيل النشاط المالي لحمد بن جاسم طوال مرحلة وجوده في السلطة، بوصفه كان العقل الذي يدير استثمارات قطر العالمية.
وخلاصة القول إنّ الشيخ تميم بصدد تكوين ملف اتهامي مالي كامل لحمد بن جاسم، لن يتردّد في فتحه ورفعه إلى القضاء في حال أبدى الأخير أي نشاط سياسي معارض له.
وعلى رغم ابتعاد حمد بن جاسم عن الدوحة إلا أن نفوذه داخل قطر لا يزال له وجود في غير مظهر: فداخل الديوان الأميري في قطر يوجد مكتب خاص من صلاحياته إعطاء الشركات عقود مقاولات. يُشاع أنه لا يزال لحمد بن جاسم نفوذ فيه وبإيحاء منه يتمّ إعطاء الشركات مشاريع بالتراضي أفضل سعر. وهناك علامات استفهام الآن من أنه هو الجهة التي تقف وراء إعطاء هذا المكتب عقودًا بمليارات الدولارات لرجال أعمال من آل الخياط من التابعية السورية. ويُقال أيضًا إن حمد منحهم الجنسية القطرية. وتركت هذه الواقعة استياء كبيرًا من قبل الشركات القطرية لكونهم محرومين من تلزيم مشاريع يبرم المكتب الخاص الآنف ذكره عقودها. وتفيد أنباء كواليس المال والسلطة في قطر أن حمد بن جاسم خرج سياسيًا من الحكم ولكنه بقي اقتصاديًا في البلد. وكدلالة لتأكيد ذلك يتمّ إيراد أن 60 في المئة من الاقتصاد القطري تشغله شركات ومصارف خاصة مرتبطة بحمد بن جاسم بهذا الشكل أو ذاك.
وما يخيف الحلقة الضيّقة حول تميم هو أن بن جاسم يستطيع متى أراد رمي البلد في أزمة اقتصادية كبيرة، كونه لغاية اللحظة لم يخسر ورقة نفوذه المالي والاقتصادي داخل قطر. وعلى رغم ما تمّ حتى اللحظة من مرحلة عهد تميم الفتية، لجهة تصفية مواطئ نفوذ حمد بن جاسم، إلا أن الأخير لا يزال اقتصاديًا موجودًا بقوة داخل اقتصاد قطر الخاص والعام.
وكان حمد بن جاسم نجح في إحداث اختراق لكلّ مسار المطاردة والتحسّب الجاري ضدّه من الأمير الجديد. وتقول المعلومات إنه في إحدى زياراته إلى الدوحة التقى مطوّلًا بالأمير الأب، والموضوع الأساس الذي فاتحه به هو اعتزامه السعي إلى نيل منصب الأمين العام للأمم المتحدة، وطلب من الأمير الأب أن يضغط لتساعده الدولة القطرية في الكواليس السياسية العربية والدولية لنيل هذا المنصب الذي سيشغر بعد عامين.
وليس مضمونًا أن يقبل تميم بنصيحة والده أن يساعد حمد بن جاسم على الجلوس على المقعد الأول في الأمم المتحدة، لاعتقاد الأول بأنّ كلّ قوة يضيفها الأخير له في أي منطقة في العالم ستزيد من إمكاناته المباشرة أو غير المباشرة على حماية نفوذه الاقتصادي أقله في قطر.
أضف إلى ذلك أن تميم هو في مرحلة من حكمه لا تسمح له بالمغامرة وترك أي شيء يمرّ من دون قياس معادلاته. فحمد بن جاسم ليس وحده من يشكل في وجهه قنبلة موقوتة قد تنفجر في أية لحظة، في ما لو تباطأ بنزع فتيلها. أيضًا داخل عائلة تميم الأمور ليست على ما يرام، أو هي على الأقلّ تحتاج إلى إعادة ترتيب على نحو يجعله مرتاح البال إلى مستقبل عهده.
وتبرز ضمن هذا السياق قصته مع شقيقه الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني، وهو كان وليًا للعهد قبل أن يقيله الأمير السابق لمصلحة تميم. ويوجد في ذاكرة آل ثاني سوابق انقلابية تبرّر لتميم الحذر من أخيه. ولم يتردّد تميم في ممارسة حذره من شقيقه. وكدليل على ذلك ما يُشاع عن إجراءات سيأخذها بخصوص منطقتي قتارة واسباير، الأولى هي عبارة عن حي مخصص للاهتمام بالفعاليات الثقافية توجد فيه مكتبتان وقاعات ثقافية الخ…، فيما الثانية مخصصة لاحتضان الاهتمامات الرياضية اتحادات، أندية، الخ… ويشغل منصب رئيس مجلس إدارة هاتين المنطقتين الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني عينه. وتسود إشاعات حاليًا بأنّ تميم سيقصي أخاه لمصلحة الإتيان بشخص من آل العطية.
ثمة أيضًا داخل عائلته نوع آخر من المشاكل الحساسة والصامتة. فمثلًا حتى الآن ليس لتميم ولي للعهد، نظرًا إلى أنّ نجله لم يتجاوز الست أو السبع سنوات، في حين أن شقيقه ولي العهد السابق أقيل من هذا المنصب. وهذا الفراغ على مستوى موقع ولي العهد، يخشاه تميم كونه قد يعيد فتح شهية شقيقه جاسم لملئه من جديد، لا سيما أنّ نجله لا يزال صغيرًا في السن.
وإلى هذا التعقيد، تتعاظم على مستوى آخر الحساسية بين امرأتين تتنافسان على لقب السيدة الأولى. فالأميرة موزة والدة تميم وزوجة والده الأمير السابق والمتحدرة من عائلة المسند ذات النفوذ في منظومة أمن قطر لا تزال ترى نفسها السيدة الأولى. ولكن الشيخة جواهر آل ثاني، وهي زوجة تميم وابنة عمه في آن، لا يبدو أنها من النوع الذي يتساهل في حفظ مكانتها كسيدة قطر الأولى. وهي تريد أن يكون حجمها في السلطة بحجم موقعها كزوجة للأمير الجديد ومرتبتها كإحدى أفراد آل ثاني.
والواقع أن الصراع بين الوالدة والزوجة يتفاقم وسط بداية تباعد بين الأمير وأخواله آل مسند، هذا في وقت يقف الآن تميم أمام خيار تحاشي خوض حربين داخليتين في آن واحد، ما يضعه أمام سؤال صعب، وهو: أيّ من الخلافين عليه تجميده الآن: خلافه مع آل مسند أم خلافه مع الشيخ حمد بن جاسم؟