كتاب 11

12:55 مساءً EEST

لماذا الآن يا مستر أوباما؟

إدارة الرئيس أوباما والاتحاد الأوروبي أفاقوا أخيرا على خطورة عصابة بوكو حرام على الأمن العالمي.

كنا شاركنا قراء «الشرق الأوسط»، قبل عامين، معلومات عن الجماعة وارتباطها بجماعات إرهابية، سواء تنظيميا أو من منبع فكر تبرير الإرهاب، في غرب القارة السوداء ومنطقة المغرب، واقتفاء أثر الأدلجة إلى فكر وأدبيات جماعة الإخوان المسلمين.

وبحسن الظن، نفترض أن تجاهل بوكو حرام يعود لتكاسل المخابرات الغربية عن بحث المصادر التي رجع إليها عجوز متهالك الصحة مثلي لبحث مقالاته؛ لكن ماذا عن اسم الجماعة (معناه تحريم التعليم على النهج الغربي) أليس دليلا؟

التعليم الحديث في البلدان العربية الإسلامية، بدأ أصلا من مصر ببعثة محمد علي باشا التي ضمت الأزهري المستنير الشيخ رفاعة الطهطاوي إلى فرنسا في عشرينات القرن الـ19، وإرساء مناهج دراسية أساسها نظرية المعرفة، هو نمط غربي. أي إن طلاب العلم في هذه البلدان هدف لإرهاب رافضي التعليم الغربي (وأيضا مواطنو بلدان الكومنولث والفرانكوفون لأن أصل مناهج دراساتها هو نظرية المعرفة).

الأهداف الأساسية لتأسيس جماعة الإخوان تتلخص في اتجاهين؛ الأول بديل لما أنهاه كمال أتاتورك (ما يفسر دعم الزعيم التركي رجب طيب إردوغان للتنظيم الدولي للإخوان، لإعادة مشروع الخلافة العثمانية بإدخال حصان طروادة الإخواني إلى مصر)، والثاني آيديولوجي بالقضاء على المشروع المعرفي الذي بدأه الطهطاوي والنابغة علي مبارك باشا أول وزير معارف لمصر في القرن الـ19.

الدراسة بالمناهج المعرفية تعني تدريب التلاميذ على التفكير في الأمور بذهن مستقل منظم بدلا من ظلام كهنوتية القرون الوسطي (قبل عصر التنوير الأوروبي الذي فتح باب التفكير العلمي وتغليب العقل والمنطق) التي أدانت غاليليو لاكتشافه العلمي بدوران الأرض حول الشمس لا خرافة العكس.

هدف الإخوان منذ التأسيس القضاء على منهج التعليم بالاجتهاد العقلي الذاتي مما يعني تحدي ذهنية الطاعة بعقلية القطيع لمرشد (أو ما يقابله) الجماعة.

هنا نفهم الأصول الآيديولوجية لجماعة بوكو حرام.

آيديولوجية إطلاق الرصاص على رأس (وليس جسم) الطفلة الباكستانية ملالا يوسف لأنها تلميذة.. وطلب العلم «حرام».

ولأن «الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق»، فإن الجماعات المولودة من رحم الإخوان كبوكو حرام وطالبان وشباب الصومال ترعبها فكرة تعليم البنات، لأن الأم المتعلمة، يشب أولادها مستقلي التفكير.

بالآيديولوجيا ذاتها تستهدف هذه الجماعات المعلمات والممرضات والبعثات الطبية لتطعيم الأطفال من أمراض قضي عليها في معظم بقاع العالم كشلل الأطفال والدفتريا والتيفود والسل وتسمم التيتانوس، فعادت لتفتك بأطفال بلدان المسلمين بسبب هذه الجماعات الإرهابية.

إرهاب يحرم الأجيال المقبلة من طبيبات (كثير من النساء، شرقا وغربا يفضلن زيارة طبيبة لا طبيب رجل)، ومعلمات وعالمات (هل كان الطب سيكتشف علاج السرطان بالإشعاعات لو كانت ماري كوري حرمت من التعليم؟).

السؤال كيف عجز جيش الباحثين ومحللي المعلومات في المخابرات الأميركية وفي إدارة السياسة الخارجية التي تتزعمها كاثرين آشتون في الاتحاد الأوروبي عن تقدير خطورة بوكو حرام وتتبع أصول آيديولوجياتها ومصدرها جماعة الإخوان؟

جرائم الجماعة نشرت في الصحافة النيجيرية منذ 2009، فهل يعقل أن سفارات البلدان الغربية لم تبعث بتقاريرها إلى وزارات خارجيتها؟

ألم يتحاور الدبلوماسيون الغربيون مع نظرائهم النيجيريين حول الأمر؟

المراسلون من مختلف الجنسيات من نيجيريا ومن منطقة الساحل الأفريقي ذكروا في تقاريرهم خلايا المتطرفين وجماعات الإرهاب الإسلاموية التي ولدت منها بوكو حرام منذ سبع سنوات.

وعندما ذهبت القوات الفرنسية إلى مالي قبل عام ونصف لمساعدة حكومتها على دفع الإرهابيين اشتملت تقارير المراسلين، خاصة الأميركيين، على نشاط عدد من الجماعات، ومنها بوكو حرام وهروب الإرهابيين إلى شمال نيجيريا بمساعدة بوكو حرام.

وكنا نشرنا في «الشرق الأوسط» (وفي الصحف الإنجليزية التي أكتب فيها) عن تدهور البيئة الثقافية الدينية في القرى والمناطق التي أغلبيتها مسلمون في شمال نيجيريا وغربها وكيف أن الأئمة في مساجد محلية ومن يسمون أنفسهم زعامات إسلامية أو قضاة شرعيين (لم تعينهم أي جهة مسؤولة ومصادر مؤهلاتهم مجهولة) يطبقون وينفذون أحكاما ضد السكان وما أنزل الله بها من سلطان، وحذرنا وقتها من أن هذه الخرافات والجرائم تسيء إلى الإسلام وتروج الجهل وتحرم الناس من التفكير، مما سيؤدي، عاجلا أو آجلا، إلى ظهور جماعات وتيارات بفكر مخبول أسوأ من «القاعدة».

كل المعلومات موجودة في عصر تتاح فيه المعلومات لأي عابر سبيل ولا يحتاج الأمر لمتخصص في شؤون أفريقيا أو التطرف الإسلامي لاكتشاف الأصول الآيديولوجية وشبكة الاتصالات التي تؤدي إلى الإخوان المسلمين كمنبع أصلي لكل التطرف حول العالم.

السيدة الأولى في أميركا (مدام أوباما) ناشدت العالم التدخل لإنقاذ طفلات المدارس الـ200 اللاتي اختطفتهن بوكو حرام «لبيعهن في سوق الرقيق»، بينما يريد زعيم بوكو – حرامي آخر بيعنا الترام بادعاء أن بعضهن اعتنقن الإسلام طواعية!!؛ وأخيرا بعث الأميركيون وغيرهم متخصصي مكافحة الإرهاب إلى نيجيريا.

وهنا نكرر السؤال ببراءة: لماذا الآن فقط تستيقظ إدارة أوباما والاتحاد الأوروبي على نشاط بوكو حرام؟

ويحضر للذهن تحذير مصر والأشقاء العرب للندن وواشنطن من نشاط الإرهابيين منذ ثمانينات القرن الماضي. زعماء الغرب أضجروا أسماع حلفائهم العرب بمحاضرات عن حقوق الإنسان وحرية التعبير كمبرر لتمتع هؤلاء بمزايا وضمان اجتماعي وخدمات حرم منها المواطن الأميركي أو البريطاني الأصلي، حتى ضربهم الإرهاب نفسه الذي حذرت منه القاهرة والرياض في نيويورك ومدريد ولندن.

تذكرت طلب القاهرة المتكرر ترحيل المتطرفين المطلوبين للعدالة في مصر أو المدانين أمام القضاء المصري، ورفض المسؤولين البريطانيين لعشرين عاما، بحجة أنهم لن يلقوا معاملة «إنسانية» في سجون مصر.. وبعد تفجيرات مترو الاتفاق في لندن طلبت بريطانيا من القاهرة تسلمهم؛ ولأن شر البلية ما يضحك، قهقهت عندما رفض المسؤولون المصريون تسلمهم وقالوا بالمصري الفصيح «اشمعنى دلوقتي؟».

السؤال الآخر، الذي أطرحه ببراءة أطفال المطربة نجاة الصغيرة، أن الارتباط المباشر وغير المباشر آيديولوجيًا ولوجيستيًا والتعاون بين هذه المنظمات وجماعة الإخوان مدون في تقارير المخابرات حسب محاضر اللجان البرلمانية؛ فلماذا إذن تهب إدارة أوباما والاتحاد الأوروبي لمكافحة بوكو حرام بيد واليد الأخرى تمسك بخناق المصريين لإجبارهم على ابتلاع «شربة» الإخوان المسلمين وعودتهم للحكم في مصر؟

التعليقات