كتاب 11

08:59 صباحًا EET

ما لا أصدقه فى حق الرئيس

لا أصدق أن يكون على رأس الدولة رجل قانون معتبر، ثم يعجز أصحاب حكم قضائى نهائى باتّ غير قابل للطعن عن تنفيذه.. رغم أن الرجل تدخل بنفسه، وأمر بالتنفيذ، فإذا ما أمر به مجرد سراب، وإذا بالذين يمسكون بالحكم القضائى فى أيديهم يشعرون، بكل أسف، بأن ما فى أيديهم بلا قيمة!

ولا أصدق، للحظة واحدة، أن يغادر الرئيس منصور قصر الرئاسة، ليقال عنه، فيما بعد، إنه قد غادره، وهو عاجز عن تنفيذ حكم قضائى نهائى باتّ غير قابل للطعن، وغير قادر على إنصاف أصحابه!

ولا أصدق، لمرة ثالثة، أن تكون ثورتان قد قامتا فى البلد، ثم يكون هذا هو حال ناس حصلوا على حكم قضائى نهائى باتّ لا يقبل الطعن، بأنهم أصحاب حق.. إذْ تبين لهم، فى النهاية أن حكم القضاء، حتى لو كان نهائياً، لا أثر له على الأرض، ما لم تسنده قوة لتنفذه، وهو ما لا تستطيعه الدولة كلها، بجلالة قدرها، حتى الآن!

وربما يذكر القارئ الكريم أنى كتبت فى هذا المكان، صباح الثلاثاء الماضى، متفائلاً، وكان سبب تفاؤلى، كما شرحته يومها، عائداً إلى أن حفلاً كان قد أقيم قبلها بأربع وعشرين ساعة، بحضور رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب، لتنفيذ الحكم القضائى النهائى الباتّ الذى لا يقبل الطعن، لصالح جامعة النيل وأساتذتها وطلابها، وتسليمهم حقهم فى أرض جامعتهم وفى مبانيها.

كنت أكتب، صباح الثلاثاء، وكان الحفل قد أقيم، مساء الإثنين، أو بمعنى أدق، فإنى افترضت أنه أقيم، لأنى كتبت قبل إقامته بساعات معدودة على أصابع اليد الواحدة، فإذا بى أعلم فى اليوم التالى أن «محلب» قد اعتذر فجأة، وأن الحفل قد تأجل إلى أجل غير مسمى، وأن مدينة زويل، التى هى الخصم فى الموضوع، قد نشطت، ولا تزال، فى إقامة سور من السلك على قواعد خرسانية، حول مبنى من حق الجامعة بموجب حكم قضائى نهائى باتّ غير قابل للطعن!

المحزن فى الأمر أن الحفل الذى كان سيحضره رئيس الحكومة كان سيقام خارج مبانى الجامعة تماماً، وكأن الذين أعدوا لإقامته من جانب مدينة زويل قد أرادوا أن يقولوا لرئيس الحكومة إنه حتى لو جاء، واحتفل، فسوف يكون ذلك فى الشارع، إذا صح التعبير، وسوف يظل كل شىء فى أيديهم هم، رغم أنف حكم القضاء النهائى الباتّ غير القابل للطعن، ورغم أنف أمر رئيس الجمهورية، ورغم أنف تعليمات رئيس الحكومة!

كنت قد تفاءلت، الثلاثاء الماضى، لا لشىء إلا لأنى اعتبرت أن تنفيذ الحكم إنما هو انتصار للقانون، وكنت قد تفاءلت، لأنه إذا ما قررت الدولة، أى دولة، أن تنتصر للقانون، فإن ذلك فى حد ذاته يدعو للتفاؤل، خصوصاً إذا كانت دولة قامت فيها ثورتان!.. فإذا بتفاؤلى يتبخر مع شمس الصباح!

ولذلك، فما لا أصدقه فى حق الرئيس منصور (رجل القانون بالأساس) أن ينتهى تدخله فى الموضوع إلى نصرة الظالم، على المظلوم.. ولماذا لا؟ وقد انتهت القصة فى لحظتنا الحالية، إلى أن مدينة زويل قد حصلت على 200 فدان مجاناً، من أرض الدولة، مع قصر فى جاردن سيتى من المال العام، دون وجه حق، بينما طلاب وأساتذة «النيل» فى الشارع وفى أيديهم حكم قضائى نهائى باتّ غير قابل للطعن!!

بالطبع، فإن هناك أشخاصاً محددين يتحركون ضد تنفيذ الحكم القضائى النهائى الباتّ غير القابل للطعن، ويستميتون فى تحركاتهم، ويتصورون – وهذا هو الطريف فى الحكاية – أن الناس لا يرونهم، ويتخيلون أننا لا نلمحهم عن بعد، ونرصد حركتهم خطوة خطوة.. وسوف يأتى دورهم، واحداً، واحداً، وسوف أكشفهم بالاسم خلال أيام مقبلة بإذن الله، غير أنى أكتفى، اليوم، بأن أعيد ما بدأت به، وكررته مراراً، وهو أنى لا أصدق، ولو للحظة، أن يكون هذا هو حال القانون، فى دولة يرأسها رجل قانون!

التعليقات