كتاب 11
اسعدنا يسعدك ربنا يا ريس
“لا تنسوا السعادة” عنوان كتاب للطبيب الفرنسى كريستوف أندريه، وهو طبيب نفسي معالج يعمل في مستشفى “سانت آن” بالعاصمة الفرنسية، وهو معروف في فرنسا وخارجها، فلقد أصدر من قبل عدة كتب ناجحة في مجال علم النفس، وكتبه واسعة الانتشار، وكتابه هذا هو الأخير، صدر مع مطلع العام الحالى،
ومن ذلك الحين وهو يتصدر قائمة أفضل الكتب مبيعا في فرنسا.السعادة كلمة سحرية يتمنى الجميع أن يصل إليها وتعجز الكلمات عن وصفها بحروف تسجنها في تعريف محدد قاطع مانع، فهي حالة نفسية وروحية رائعة يرافقها رضا وسكينة، والمؤلف في كتابه يطمئن القراء الذين لا يشعرون بالسعادة ويظنونها ضاعت من بين أيديهم وإلى الأبد، فهي تختفي أحيانا، ولكنها تعاود الظهور، وهي لا تظهر من تلقاء نفسها ولكن هناك شروطا لذلك. أهم شرط ألا تنساها وتظل تذكرها وتتذكرها، لست هنا بصدد عرض الكتاب، لكن عنوان الكتاب جعلني أفكر في حالي وحال المصريين، هل نسينا السعادة؟ السعادة برمتها أصبحت موضوعا بعيدا عن خيالنا، نحن الآن مشغولون بالأمن في الشارع وطابور العيش والكهرباء المقطوعة وغلاء المعيشة و…، و…..! ربما لو طرح هذا السؤال مع بداية ثورة 25 يناير لكان الرد مختلفا، حينذاك كانت الأحلام كبيرة، كنا نحلم بتغيير كبير يحسن ظروف الحياة، يصاحبه شعور بالسعادة، فالشعوب الأكثر سعادة تعيش في دول غنية، دخل الفرد فيها مرتفع، صحيح أن الثراء ليس المعيار الوحيد لتقييم سعادة الشعوب، فهناك معاييرأخرى مثل: جودة التعليم والصحة، اقتصاد قوي يوفر فرص عمل، الإدارة العامة، مستوى الحريات الشخصية، ديمقراطية الحكم وتداول السلطة، الشفافية وعدم الفساد، العلاقات الجيدة بين أفراد الشعب، ثقة الشعب بنظامه الحاكم … إلخ، لكن بشكل عام سنجد الدول الأكثر سعادة هي دول لا تعاني الفقر والعوز الذي أصبح صفة لصيقة بحال مصر وشعبها للأسف.
لم أسمع كلمة سعادة ترد على لسان السيسي أو حمدين، ولم أكن أنتظر منهما تصريحا كتصريح الشيخ محمد بن راشد حاكم دبي، تعقيبا على نتائج المسح الثاني للأمم المتحدة لمؤشرات السعادة والرضا بين الشعوب، والتي جاءت الإمارات فيها في المركز الأول عربيا، وفي المركز الـ14 على مستوى شعوب العالم، والذي قال فيه: “تحقيق السعادة للناس هو غايتنا، وخدمتهم هدفنا، ورضاهم هو مقياس نجاحنا، وجميع السياسات والقوانين الحكومية تشترك في غاية واحدة نسعى لها، وهي تحقيق السعادة لمواطنينا، وما تحقق خلال الفترة السابقة ما هو إلا مرحلة أولى سيتبعها المزيد من العمل والإنجاز، وصولاً لأن نكون من أفضل دول العالم إن شاء الله”، ولكن كنت أنتظر من مرشحي الرئاسة اهتماما ووعيا بحالة السداح مداح التي يعيشها المجتمع في ظل غياب منظومة قيم واضحة ومتعارف عليها ومحترمة من الكل. الخيط الذي يربط حبات العقد المصري على وشك أن ينقطع وتنفرط حباته، فالعلاقات بين الناس تشوهت ولم يعد الفساد حكرا على النظام الحاكم وأجهزة الدولة وشلة المنتفعين وأصحاب المصالح، بل انتشر في كل خلايا المجتمع المصري كالسرطان الخبيث. الثقة اختفت من المجتمع المصرى وخلفت مكانها الشك والتخوين، الصدق والأمانة والشرف أصبحت صفات متحفية، إن وجدت تستحق أن تروى ونشيد بها وتحتل الصفحات الأولى من صحفنا وكأنها اكتشاف أثرى، والصبر تمرد وبقى له مطالب.
استعادة منظومة القيم في المجتمع المصرى لا تقل أهمية عن استعادة الأمن في الشارع وتحقيق التنمية الاقتصادية، بل هي عامل مساعد لهم، وكان من الواجب على مرشحي الرئاسة الحديث عن ذلك وكيف سيواجهه. الدول العريقة في الديمقراطية التي تحترم الحريات الشخصية لا تجد غضاضة في توجيه الرأي العام حين يلزم الأمر ذلك، فمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI) ينتج أفلاما روائية قصيرة، في إطار مواجهة المخاطر التي تهدد الأمن القومي الأمريكي، يحاول من خلالها أن يزيد من وعي الشباب الأمريكي حتى لا يقع فريسة سهلة لمحاولة تجنيده من قبل أجهزة مخابرات معادية لبلاده.
الرئيس القادم بحكومته الجديدة يحتاج لأن يبدأ معنا عهدا جديدا بعقلية جديدة، وأن يكون طموحه وهدفه ليس فقط توفير العيش للشعب الغلبان ولكن السعادة لعموم المصريين.
اسعدنا يسعدك ربنا يا ريس.