مصر الكبرى
الحكم لمن حصل.. لا لمن وصل!
بعد الثورة في مصر برز أمران: «الشهية» السياسية و«الشهوة» السياسية. الشعب المصري لديه الشهية السياسية التي تفتحت بعد عقود من الحرمان والديكتاتورية وأيضا الاستهانة. أما بعض المجموعات الإسلامية فقد برزت لديها الشهوة السياسية المخيفة، وهذه أضرت بها بسرعة، فهي لم تنتظر لتحكم، بل صارت تتصرف وكأنها تملك ما فوق مصر وما تحتها. أبرز هذه الجماعات «الإخوان المسلمون» وبعض السلفيين.
بعد انتصار الثورة مباشرة، لوحظ تركيز المظاهرات في هجومها على مبنى وزارة الداخلية، وإحراقه بكل ملفاته وأرشيفه، والهجوم على رجال الشرطة واتهامهم جميعا بارتكاب جرائم النظام. لذلك من بقي من هؤلاء لم يتردد في البقاء في بيته رافضا القيام بدوره في حماية الأمن. يومها قيل إن المظاهرات لاحقا ستتحول إلى وزارة الدفاع. جرت محاولات قليلة لم يُكتب لها الاستمرار، ثم كانت الأسابيع الماضية، حيث تركزت المظاهرات على وزارة الدفاع في محاولة لكسر هيبة القوات المسلحة، لكن الشعب المصري بأغلبيته كان مؤيدا للقرارات الحازمة والحاسمة بحماية المنشآت العسكرية. ثم أطلق اللواء مختار الملا تهديدا صريحا، وكان السبب فيديو انتشر على الـ«يوتيوب» للشيخ حسن أبو الأشبال، وهو محسوب على المرشح السلفي المستثنى من الانتخابات الرئاسية حازم صلاح أبو إسماعيل. في الفيديو يدعو الشيخ أبو الأشبال الشعب المصري إلى الهجوم على وزارة الدفاع والقبض على جميع أعضاء المجلس العسكري. يقول «الآن، لا أقول برحيل المجلس العسكري، بل بالقبض على سيده (شيخ السحرة)، إنهم أبناء فرعون وتجب محاكمتهم محاكمة عادلة، والمحاكمة العادلة لا تقل عن إعدامهم وقتلهم وذبحهم في ميدان العباسية».
دعوة أبو الأشبال جزء من تحريض علني لمجموعات سلفية وإسلامية مختلفة منها مجموعة أبو إسماعيل. مجموعته لا تتحرك عقائديا إنما ماليا. لأبو إسماعيل جمعية «أسد ابن الفرات» التي تتلقى تبرعات من جهات مختلفة، وأبو إسماعيل يتصرف في التبرعات بشكل معاشات ودعم. لكن عندما ستنتهي الأموال سينتهي الدعم، وهو يريد تحقيق إنجاز ما أثناء الفوضى كي يستمر التدفق المالي.
صحيح أن أبو إسماعيل يعتبر سلفيا، لكن التيار السلفي في مصر متنوع، ولوحظ في الفترة الأخيرة وبالذات في البرلمان أن السلفيين أكثر وعيا من «الحرية والعدالة» (الإخوان)، فهم يتجنبون الصدام مع المجلس العسكري عكس «الإخوان» الذين يتعمدون الصدام واستعراض القوة، كمطالبتهم باستقالة الحكومة ولم يبق سوى أسابيع قليلة على موعد الانتخابات الرئاسية.
الكل ينتظر ذلك الموعد (23 مايو/ أيار، الحالي)، هناك مجموعات سياسية تلمح من الآن إلى أنها سترفض النتائج، بينما تقول مجموعات أخرى إنه من الصعب التزوير في وجود قضاة في اللجان الفرعية والمجتمع المدني.
يؤكد مصدر مصري مطلع أن الانتخابات ستجرى مهما كان الوضع في مصر، حيث إنه «لا مجال لتأجيلها». ويضيف أن المحكمة الدستورية العليا تدرس شرعية انتخاب مجلس الشعب، ولدواع سياسية أجلت الأمر للسماح بحصول الانتخابات الرئاسية، لأن السلطة غير مستعدة الآن لحل البرلمان، فتبقى مصر من دون أي سلطة شرعية. التوقعات: سيكون هناك رئيس ودستور جديد وانتخابات نيابية جديدة.
من المؤكد أن ردود فعل ستحدث، إنما في وجود رئيس منتخب شرعيا وفي وجود القوات المسلحة يمكن احتواء كل الردود. ويبدو أن القوات المسلحة بعد تجربة العباسية أخذت قرارا بأنه من غير المسموح للفوضى الجماعية أن تحدث، والشعب يؤيد هذا التوجه.
المجلس العسكري استفاد من كون تيارات الإسلام السياسي بدأت تفقد قوتها في الشارع المصري، فالشهوة السياسية لدى هذه التيارات كشفتها بسرعة وأفقدتها مصداقيتها، وصار بالتالي الشارع المصري مهيأ لانتخابات جديدة، وهذا ما يخافه الإسلاميون، فالانتخابات الجديدة ستفرز اختلافا في التوازنات.
يقول محدثي «كانت تجربة تلك التيارات قصيرة جدا.. الإسلاميون لم ينتجوا شيئا، والناخبون في الدوائر الانتخابية لمجلسي الشعب والشورى فقدوا ثقتهم في الأشخاص الذين انتخبوهم. لقد اختفى هؤلاء». ويقولون في المناطق الشعبية «بعد أن نجح لم نعد نراه أبدا»، ويقولون «حتى لو جاء فسوف نضربه». إذن، بدأ الإسلاميون يفقدون شعبيتهم لدى الناس الذين انتخبوهم.
الأوفر حظا بين المرشحين عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح، ولا أمل لأحمد شفيق لكنه سيأخذ أصواتا من المجتمع المدني على حساب عمرو موسى، لكن يبقى أن هذا الأخير يكتسب أرضية لأن الناس فقدت الثقة في التيارات الإسلامية.
هناك من يقول إن أبو الفتوح هو مرشح الشيخ يوسف القرضاوي المقيم في قطر. لكن لا شعبية للقرضاوي في مصر، والانتخابات الرئاسية تجرى على المستوى القومي، وقدرة «الإخوان» على حث الجماهير ستكون أضعف في الانتخابات الرئاسية «على مستوى مصر ككل، تخف قدرتهم».
الانتخابات الرئاسية في مصر لا علاقة لها بامتيازات الجيش الذي سيبقى «المراقب غير المنظور»، ويبدو أن هذا صار مطلبا شعبيا لحماية الثورة وما بعدها.
في المعادلة المصرية الجديدة، يدخل الغرب، والسعودية وقطر وإيران. وحسب محدثي فإن الغرب يتعامل مع الواقع، فمصالح الغرب أن تبقى مصر على روابط قوية معه ومع إسرائيل ولا تتحول إلى دولة معادية. في الفترة الماضية تكون شعور لدى المصريين معاد للغرب «هذا اتجاه عاطفي وليس عقلانيا، لكنه الواقع، لذلك يحاول الغرب ألا يقف الآن ضد التيار على أساس أنه يدعم الديمقراطية ويريد التخفيف من حالة العداء الحالية».
بالنسبة إلى السعودية فإنها تقف على الحياد إلى درجة كبيرة، وتحاول المساعدة «لأن لها حسابات معقدة في علاقتها بمصر، وتريد المحافظة على هذه العلاقة بشكل قوي ومتوازن». أما قطر فإنها – حسب محدثي – «تلعب لعبة الولد الشقي». وإنها تؤيد الاضطرابات لأن من مصلحة قطر ألا تستقر مصر.. فقطر تلعب دورا أكبر من حجمها، وفي حال استقرت مصر فإنها ستؤثر على دور قطر. السعودية ليست خائفة من دور قوي لمصر، هذا لا يؤثر عليها، لكن «عودة مصر المستقرة إلى الساحة العربية ستقضي على دور قطر بشكل نهائي».
ويرى محدثي أن «إيران لا تزال تؤمن بمبدأ تصدير الثورة، وتريد أن يتخذ الحكم في مصر اتجاها دينيا متشددا، لذلك تدعم بعض التيارات، لكن مشاكلها الداخلية تحجّم دورها في مصر».
تبقى سيناء، فالتوجه العام أن يكون الرئيس المقبل قادرا على التفاوض مع إسرائيل لتعديل بعض بنود الاتفاق المصري – الإسرائيلي لجهة زيادة الوجود العسكري المصري في سيناء لتحقيق الأمن. أما الغاز المصري فليس قضية سياسية، بل مسألة تجارية ولا دور للرئيس فيها. يقول محدثي «الدور الأساسي للرئيس المقبل سيكون في كيفية التفاوض مع إسرائيل وليس مع شركاتها».
يبقى أنه من ضمن أولويات الاهتمام المصري حماية الحدود الغربية والجنوبية، لأن كمية التهريب التي تأتي من ليبيا «غير معقولة: أسلحة ومخدرات». وبالتالي فإن علاقات جيدة مع النظام الليبي الجديد ضرورة للمصالح الاقتصادية المشتركة، ثم هناك السودان وتحاول مصر تهدئة العلاقات بين السودانيين، أقله من أجل المياه. فالثلاثي إثيوبيا والسودان وجنوب السودان يهم مصر كثيرا.
وإذا أعدنا النظر إلى الداخل المصري يواجهنا اقتصاد خطير، وقد يحتاج الرئيس المقبل لفترة سنة على الأقل لوقف الانهيار الاقتصادي، وإلا سينزلق أكثر وينضب أهم مورد اقتصادي وهو السياحة.
يبدو أن «الشهوة السياسية» لدى الحركات الإسلامية، وبالذات «الإخوان»، دفعتهم إلى استعراض قوة لم يكن لمصلحتهم، وكان تعنتهم في الكثير من المواقف دليلا على عدم وعي سياسي. صحيح أنهم وصلوا الآن، لكنهم لم يحصلوا. ويقول المثل «الحكم لمن حصل.. وليس لمن وصل».
إن مصر أكبر من تجربة وأكبر من حزب.. إنها خمسة آلاف سنة حضارة!
تابع صفحتنا على الفيس بوك