تحقيقات
وثائق كلينتون الرئاسية (الحلقة الثالثة والأخيرة)
في الحلقة الثالثة والأخيرة من «وثائق كلينتون الرئاسية»، التي تنشرها «الشرق الأوسط» والتي تم رفعت السرية عنها على دفعات منذ فبراير (شباط) الماضي، هناك تركيز على الشأن الأميركي الداخلي خاصة الخاص بطريقة إدارة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون. ويبدو أن عائلة كلينتون خصصت حيزا لا بأس به من الوثائق المفرج عنها له لتغطية نشاطات هيلاري كلينتون عندما كانت سيدة أميركا الأولى.
أما التركيز على وزيرة الخارجية السابقة فيهدف، حسب غالبية الخبراء، إلى المساهمة في تلميع صورتها استعدادا لترشحها لخلافة الرئيس الحالي باراك أوباما في انتخابات عام 2016. وعلى الرغم من التكهنات حول ترشح هيلاري كلينتون للرئاسة، فإن آل كلينتون لم يوضحوا بعد الموقف الرسمي. وتبقى الوثائق التي رفع عنها الحجب إشارة إلى دور هيلاري في البيت الأبيض خلال رئاسة زوجها دليلا آخر على قدرتها على التحرك في الأوساط السياسية في واشنطن بجدارة.
تقول إحدى الروايات الأكثر تناقلا داخل العاصمة الأميركية إن الرئيس الأسبق كلينتون يحتفظ بمفكرة فيها أسماء كل العاملين السابقين معه ممن تخلوا عن زوجته هيلاري كلينتون أثناء حملتها للفوز بترشيح حزبها الديمقراطي للرئاسة في عام 2008. وتضيف الرواية أن الرئيس الأسبق أبدى انزعاجا لأن الكثيرين من هؤلاء «الحلفاء» و«الأصدقاء» كان هو من أطلقهم في عالم السياسة، وأدخلهم إدارته، ثم أداروا ظهورهم له أثناء ترشح زوجته، وساروا في ركب المرشح الصاعد، الذي سحر الكثيرين أثناء حملته الأولى، السيناتور باراك أوباما. والدفعة الأولى من مؤيدي كلينتون ممن انتقلوا إلى صفوف أوباما نالوا عقابهم في الجولة الماضية بعد حصول كلينتون على منصب وزيرة الخارجية، فدبلوماسيون كثيرون كانوا يأملون في العودة إلى الحكومة بعد بقائهم خارج الحكم ثماني سنوات حكم فيها الجمهوريون ورئيسهم جورج بوش الابن، لكنهم وجدوا أنفسهم مرة أخرى تحت رحمة عائلة كلينتون، التي أغلقت أبواب وزارة الخارجية في وجوههم بسبب تخليهم عنها قبل شهور.
هكذا، راح أوباما يكافئ مناصريه إما بتعيينهم في مواقع «مجلس الأمن القومي» التابع للبيت الأبيض مباشرة، وإما بمنحهم تعيينات سياسية لا تحتاج موافقة كلينتون. على سبيل المثال دان شابيرو، الذي فاز بمقعد في «مجلس الأمن القومي» في أول الأمر، ثم ما لبث أوباما أن عينه سفيرا للولايات المتحدة لدى إسرائيل، علما بأن شابيرو ليس دبلوماسيا، مما يعني أن تعيينه كان سياسيا محضا.
ومع خروج كلينتون من وزارة الخارجية، استمرت الأنظار مسلطة عليها متوقعة ترشح من سبق لها أن كانت سيدة أولى، وسيناتورا عن ولاية نيويورك، ووزيرة خارجية، إلى منصب الرئاسة عن حزبها الديمقراطي. وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي تشير إلى شعبية هائلة تتمتع بها كلينتون، وهو ما من شأنه أن يثير الرعب في أقوى المنافسين المحتملين لها داخل حزبها، فإن كلينتون تردد أنها لم تحسم بعد أمر ترشيحها، أو أنها – بحسب آخر تصريحاتها «مستمرة في التفكير في الموضوع»، في وقت يتوقع فيه المراقبون أن تعلن الوزيرة السابقة قرارها بعد انتهاء انتخابات الكونغرس المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
لكن صمت كلينتون لا يمكنه أن يخبئ كل الخطوات التي تقوم بها، هي والرئيس الأسبق، والتي تدل على أنها ستترشح لانتخابات عام 2016، فهي من المتوقع أن تنشر كتاب مذكراتها، أو على الأقل الصورة التي تريد تقديم نفسها بها إلى الأميركيين كمرشحتهم للرئاسة، في شهر تموز (يوليو) المقبل. كذلك، تشير خطوات زوجها إلى أنه يستعد لعملية ترشحها، وفي هذا الإطار جاء رفع مكتبة بيل كلينتون السرية عن مجموعة من الوثائق، كانت الأبرز فيها، وثائق رسمية تغطي نشاطات كلينتون كسيدة أولى بين عامي 1993 و2001.
«نحن بلد أفضل وأقوى مما كنا عليه في عام 1992»، تقول هيلاري كلينتون في خطاب المؤتمر العام للحزب الديمقراطي الذي منح نائب الرئيس آل غور ترشيحا تلقائيا لمنصب رئيس ليواجه محافظ ولاية تكساس جورج بوش الابن، حسب «المسودة رقم 13» في صباح سبت حار من شهر أغسطس (آب) 2000. ومن بين الوثائق التي رفعت عنها السرية هذه المسودة التي تظهر عليها آثار شطب وتصحيحات كثيرة الأرجح بخط كلينتون. وتروي الوثيقة علاقة كلينتون بالطبقة السياسية عموما، فهي تتحدث عن صداقة تجمعها بنائب بالمرشح إلى منصب نائب الرئيس في عام 2000 عن الحزب الديمقراطي، السيناتور جو ليبرمان، وتقول إن معرفتها به تعود إلى أكثر من ثلاثين عاما من تاريخ انعقاد المؤتمر الحزبي في عام 2000، عندما كانت هيلاري وبيل على مقاعد الدراسة في الصف نفسه في كلية الحقوق في جامعة ييل المرموقة.
وفي الخطاب نفسه، تقدم السيدة الأولى وعودا مرتبطة بفترة البحبوحة التي عرفتها الولايات المتحدة في السنوات الثماني التي ترأسها زوجها، وتقول إن انتخاب غور وليبرمان من شأنه أن يكون بمثابة تتمة لعهد كلينتون، وهي «لازمة» حاولت استخدامها أثناء ترشحها للرئاسة عام 2008، ورددها أوباما أيضا في مواجهة الجمهوريين في السنين الأولى لحكمه، ومن المتوقع أن تستعيدها كلينتون في عام 2016.
في خطاب مؤتمر الحزب الديمقراطي نفسه، شكرت كلينتون الشعب الأميركي لمنحها وزوجها ثماني سنوات في البيت الأبيض، وحثتهم على انتخابها لمنصب سيناتور عن ولاية نيويورك، وهي انتخابات فازت بها ذلك العام، ومرة أخرى في عام 2006. وتقول «بيل وأنا نغلق أحد فصول حياتنا، وقريبا سنفتح واحدا آخر، وسيكون على شعب نيويورك اختيار إن كنت سأتشرف بخدمتهم في مجلس الشيوخ، لكن بغض النظر عن أين سأذهب بعد اليوم، سأظل شاكرة لكم، أنتم الشعب الأميركي، للسنوات الثماني الماضية».
ومن تابع وزيرة الخارجية السابقة على مدى العقدين الماضيين يعرف أنه لطالما أشارت هيلاري إلى المجهود الكبير الذي وظفته هي شخصيا من أجل إقرار قانون شامل للرعاية الصحية، من دون أن تنجح في ذلك، وهو ما يعتقد كثيرون أنه انعكس سلبيا على شعبيتها بين الأميركيين مع حلول عام 1994، قبل أن يأتي منافسها، ورئيسها في ما بعد، باراك أوباما ويوظف شعبيته الساحقة في إقرار قانون صحي مشابه، مما كبده خسائر كبيرة على المستويين السياسي والشعبي ما زال حزبه الديمقراطي يعاني من نتائجها حتى اليوم، ويمكن أن يكلفه الغالبية التي يسيطر عليها في مجلس الشيوخ في الانتخابات المقررة في نوفمبر المقبل.
وفي مذكرة تعود لعام 1993، يقدم مساعدا هيلاري كلينتون أليكسيس هيرمان، الذي أصبح وزيرا للعمل في ما بعد، ومايك لكس، الأهداف التي سعت كلينتون إلى التوصل إليها أثناء جلسات الاستماع الشهيرة التي عقدها الكونغرس حول موضوع الرعاية الصحية، وشاركت هي فيها في مارس (آذار) من ذلك العام.
«كما تحدثنا، فإن الهدف الأساسي من جلسة الاستماع هذه، والتي ستستمر على مدى يومين، هو تحرير أنفسنا من الاتهامات التي تصفنا بأننا أضفنا إلى مشروع القانون اقتراحات كل من تلقيناهم»، حسب المذكرة، التي تتابع «ومن المهم أن نفهم أنه حتى بعد يومين من الشهادات، لن يكون بإمكاننا أن نتيح المجال لكل من يريد أن يدلي بشهادته في هذا الموضوع».
ويضيف هيرمان ولكس، في خطوة تظهر كيفية صناعة الرأي العام الأميركي، أنه «على بعض من يدلون بشهاداتهم أن يكونوا مواطنين عاديين لديهم قصص مرعبة (حول معاناتهم بسبب غياب الرعاية الصحية التي تقدمها الحكومة).. عائلات من الطبقة الوسطى يعبرون عن قلقهم من المستقبل، ومواطنون متقدمون في السن». ويختمان المذكرة بالقول إنه «على هؤلاء الناس أن يقدموا شهاداتهم في الأوقات التي نعتقد أن فيها عددا أكبر من المشاهدين عبر قنوات التلفزة».
لكن «وثائق كلينتون الرئاسية» حول الشأن الداخلي لا تتمحور حول السيدة الأولى وحدها، بل تتضمن الكثير من شؤون وشجون ذلك الزمن. إحدى الوثائق المؤرخة 22 تموز (يوليو) 1998 هي عبارة عن التقرير اليومي الصباحي الذي يقدمه المستشارون للرئيس الأميركي، والمذكرة مختومة أيضا بختم كتب فيه «الرئيس رآها»، مع إضافة تاريخ ذاك اليوم بخط اليد، وهي تظهر آلية تقديم شؤون الساعة للرئيس الأميركي يوميا.
تحت بند «النقطة أ»، تتوجه المذكرة إلى الرئيس بالقول إن الكونغرس، الذي كان يسيطر على غالبية غرفتيه الحزب الجمهوري المعارض، مستعد لتمويل «معظم أولوياتك في تعديل القانون المتعلق بالأسلحة البيولوجية والكيماوية، لكن ليس جميعها». وتضيف المذكرة أن «مجلس الممثلين» وافق على تسديد 170 مليون دولار من أصل 259 مليونا طلبها كلينتون، فيما وافق مجلس الشيوخ على 224 مليونا، وأن لجنتي تخصيص الأموال في الغرفتين تصرفتا حسب طلبات وزارتي العدل والوكالة الفيدرالية للإغاثة (فيما)، لكن مشاريع القوانين لم يتم طرحها للتصويت عليها بعد.
«النقطة ب» تتحدث عن لجنة شكلها الكونغرس من أجل تقييم خطر الصواريخ الباليستية ومقدرتها على ضرب أهداف في الداخل الأميركي.
نتيجة تقرير اللجنة، التي ترأسها عضو الكونغرس السابق دونالد رامسفيلد، والذي تولى لاحقا منصب وزير الدفاع في إدارة جورج بوش الابن في أقل من سنتين، كانت أن «القوى الصاعدة التي تعمل على حيازة صواريخ باليستية، مثل كوريا الشمالية وإيران، سيكون بإمكانها ضرب الولايات المتحدة في غضون خمس سنوات من تاريخ قرارها بناء صواريخ من هذا النوع، فيما يحتاج العراق إلى عشر سنوات للحصول على هذه القدرات».
ويضيف تقرير رامسفيلد أن «الاستخبارات الأميركية لا تعلم إن كان العراق في هذا الوارد»، وأن اللجنة توصي بأن تتم مراجعة السياسة الدفاعية الأميركية للأخذ بعين الاعتبار أنه لا وقت أميركيا للرد على أي اعتداء مماثل.
على أن مستشار الأمن القومي ساندي برغر رد على التقرير، حسب التقرير اليومي الذي تم تقديمه لكلينتون، بمذكرة قال فيها إن أجهزة الاستخبارات الأميركية تتمسك بتقييمها لمقدرات هذه الدول لناحية الصواريخ الباليستية، وأنها لا تعتقد أن هناك دولا غير روسيا والصين لديه إمكانات في ضرب أهداف داخل الولايات المتحدة، مضيفا أن الإدارة ستعطي تعليماتها لوكالات الاستخبارات كي تأخذ توصيات لجنة رامسفيلد بعين الاعتبار.
وفي التقرير الصباحي لكلينتون أيضا مذكرة من رئيس «المجلس الاقتصادي» جين سبيرلينغ يقول فيها إن واشنطن أتمت استعداداتها للتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية، التي كانت ضربت اقتصادات دول شرق آسيا، والتي كانت تعرف بـ«نمور آسيا».
وفي التقرير أيضا تلخيص مذكرة من برغر حول نزيف القوة الجوية الأميركية للطيارين الذين يغادرونها بأعداد كبيرة، وأخرى من وزير العمل هيرمان حول نسبة البطالة بين الشباب الأميركيين ومعدلات الجريمة لدى هذه الفئة العمرية، ثم استطلاع يظهر أن غالبية نساء أميركا يؤيدن قيام الحكومة الفيدرالية بخطوات من أجل دعم الثقافة للبنات وتأمين حمايات لهن، ورسالة شكر من وزير البحرية جون دالتون لقيام كلينتون بمنح ميدالية لأحد العاملين في البحرية الأميركية.
ثم يروي المستشارون لكلينتون فحوى رسالتين من عضوين في الكونغرس، ويقدمون له صورتين من النصب التذكاري لمجزرة رواندا، لأن كلينتون زارها ولكن اعتبارات أمنية لم تسمح له بزيارة النصب.
وختاما، في تقرير كلينتون اليومي إشارة إلى دراسة من جاك لو، الذي يعمل اليوم وزيرا للخزانة في إدارة أوباما، بعنوان «أطفال أميركا.. المؤشرات الأساسية لأوضاعهم»، للمقارنة مع أوضاعهم قبل توقيع كلينتون لمرسوم اشتراعي لتحسين وضع الأطفال الاقتصادي والصحي والثقافي. ويقول التقرير «نسخة عن الدراسة في مكتبنا للمزيد من الاطلاع». والأمور الواردة في تقرير كلينتون اليومي، على رتابتها أحيانا، تظهر كمية العمل الإداري الذي يرافق عمل الرئيس الأميركي في يومه المعتاد، إذ يلفت المسؤولون الذين يتلون عليه التقرير انتباهه إلى عدد من الخطوات التي قام بها الكونغرس، أو ربما حكومات أجنبية، ثم ينتقلون إلى تعداد الدراسات المتعددة التي تهم الرئيس، ثم يسردون له فحوى البريد الذي تلقاه.
والطريقة المتبعة هذه تشي بأن رئيس موظفي البيت الأبيض، والفريق العامل إلى جانبه، يتمتعان بسلطة كبيرة لناحية تحديد اهتمامات الرئيس الأميركي وأولوياته.
موضوع آخر لافت للنظر في «وثائق كلينتون الرئاسية» هو العدد الكبير للمقالات الصحافية التي يبدو أن كلينتون قرأها في فترة رئاسته، فكتب في حواشيها تعليقاته، وأرسلها إلى مساعديه وأعضاء فريقه بحسب اختصاصهم، واحدة إلى نائبه آل غور، وأخرى إلى كاتب خطاباته أو إلى مستشاره الاقتصادي، وفيها سؤال أو استفسار أو طلب ما، وهي عملية تظهر كيفية تفكير كلينتون، وتفاعله مع شؤون الساعة، واتخاذه قراراته.
وفي وثائق تعود لعام 1994، تبرز واحدة يتحدث فيها أحد مساعدي الرئيس السابق جيري هلتن عن ضرورة تحسين صورة كلينتون من إنسان «غير منظم» إلى «منظم»، كجزء من السعي لإعادة انتخابه لولاية ثانية في عام 1996. وقال هلتن إن فريق البيت الأبيض يحتاج إلى المزيد من الانتظام في عمل أعضائه وفي عمل الوزراء أعضاء الحكومة.
«كونوا منظمين شخصيا وافرضوا النظام على العاملين في البيت الأبيض والوزراء، وبغض النظر عن من المسؤول، لا ينظر الأميركيون إلى الرئيس على أنه شخص منظم، والمواطنون العاديون يريدون تأكيد أن الرئيس سيفعل ما يقول إنه سيفعله، وأنه سيتخذ إجراءات ضد كل من لا يرتقي إلى المواصفات المطلوبة أو لا يفهم تعليماته».
وفي مذكرة من العام نفسه تظهر استعدادات الفريق الرئاسي لمنازلة مع الجمهوريين من أجل إعادة انتخاب كلينتون في عام 1996، فيرسل مساعد الرئيس وكاتب خطاباته مايكل والدمان إلى أربعة من كبار المستشارين تعليقات حول الاستعدادات لخطاب حال الاتحاد لعام 1995. ويكتب والدمان تعليقا على نص سابق يبدو أنهم طلبوا رأيه فيه «الطبقة الوسطى ضد من؟» ويضيف والدمان «من المهم جدا أن يقدم الخطاب الرئيس، لا كمدافع عن الطبقة الوسطى فحسب، بل كمدافع عن الطبقة الوسطى ضد أحد ما، أي أن يكون هو بالنسبة لها كالأكسجين بالنسبة للأحياء».
ويضيف والدمان أنه على الخطاب إظهار «التناقض، الذي سيخدمنا على المدى الطويل، وهو أن المواجهة هي بين الطبقة الوسطى ضد أغنياء المصالح الخاصة، وهذه معركة ضد الحزب الجمهوري يمكن لنا الفوز فيها، وهي التي يجب أن نمضي فيها باتجاه عام 1996 (والانتخابات الرئاسية لولاية ثانية)».
ويقدم المسؤول السابق اقتراح فقرة لإضافتها، وهي على الشكل التالي «إن الحكومة (الأميركية) لم تصبح كما هي عليه اليوم عن طريق الصدفة، فالمصالح الخاصة تسعى إلى الوصول إلى الثغرات وإلى عطاءات يمكن أن تحصل عليها، أو للحفاظ على برامج انتفت أسباب بقائها منذ سنوات، لكن صدقوني، المصالح الخاصة بقيت (رغم انتهاء هذه البرامج)».
وفي الفقرة الثانية، يقول والدمان «وحده الرئيس هو من يتم انتخابه من أجل تمثيل المصلحة الوطنية، ووظيفتي أن أقف من أجل مصلحتكم عندما يطلب أهل المال والقوة معاملة خاصة أو امتيازات من الحكومة، وإذا اعتقد أصحاب المصالح الخاصة أنهم يمكنهم اقتناص هذه الفرصة من أجل إثراء أنفسهم على حساب الطبقة الوسطى، فأنا لن أدعمهم في ذلك».
ويختم والدمان «إذا أردتم، فيمكنكم هنا إضافة الإشارة إلى ضرورة إصلاح قطاع اللوبي والتطرق إلى المقالة التي وردت في مجلة فورين افيرز».
وفي «وثائق كلينتون الرئاسية» أيضا تبادل رسائل إلكترونية حول واحدة من أهم مراحل المواجهات السياسية بين كلينتون وحزبه الديمقراطي، من جهة، والكونغرس الذي كانت تسيطر عليه غالبية من الحزب الجمهوري برئاسة نيوت غينغريتش، من جهة أخرى، والتي أدت إلى إقفال الحكومة الفيدرالية لمدة 27 يوما بين أواخر عام 1995 ومطلع عام 1996.
وفي مذكرة بتاريخ 27 تموز (يوليو) 1997 من والدمان نفسه إلى كبار العاملين في الإدارة، حثهم على الإمعان في تحدي الجمهوريين لإجبارهم على إقفال الحكومة. وحملت المذكرة عنوان «استراتيجية إعلامية للتعامل مع تحطم القطار»، وجاء فيها «يمكننا زيادة الضغط على الجمهوريين، من دون إقحام الرئيس بشكل مباشر، بإجرائنا أبحاثا وتقديمها إلى الجمهور حول عواقب إقفال الحكومة». وأضاف والدمان «علينا أن نفعل ذلك بطريقة هادئة وروتينية، إن أمكن.. على سبيل المثال إرسال إخطارات لتسريح الموظفين (في الحكومة الفيدرالية) قبل موعد الإقفال». وتابع المسؤول السابق «نحن بحاجة إلى استراتيجية تسريب إعلامية مرسومة بعناية».
أكثر من 30 ألف وثيقة أفرجت عنها مكتبة الرئيس الأسبق بيل كلينتون ما زالت تشكل جزءا يسيرا من مجموع الوثائق التي ما زالت محفوظة بسرية لأسباب مختلفة. وحتى تبصر باقي الوثائق النور، تضيء الوثائق التي تم رفع السرية عنها على الشؤون التي عاشتها الولايات المتحدة، والعالم، على امتداد عقد التسعينات من القرن الماضي، وتعكس تطور فهم مسؤولي الحكومة الأميركية لهذه الأمور، وتظهر آلية تعاملهم معها.
وستشكل هذه الوثائق مصدرا مهما في الفترة المقبلة في حال قررت هيلاري كلينتون الترشح للرئاسة، خاصة الناحية الشخصية في حياتها. وربما القصة الأكثر إثارة من فترة رئاسة بيل كلينتون هي علاقته بالموظفة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي، وقرار هيلاري كلينتون الوقوف إلى جانبه خلال الفضيحة التي هزت البيت الأبيض آنذاك. ولا تشمل الوثائق المفرج عنها تفاصيل جديدة عن العلاقة أو عن تعامل بيل وهيلاري كلينتون مع الفضيحة. وفي الوثائق التي نشرت يوم 18 أبريل (نيسان)، تم الإعلان عن سحب رسالة إلكترونية من لوينسكي من النشر. وأفادت مكتبة ومتحف ويليام جيفرسون كلينتون، الجهة المسؤولة عن نشر الوثائق، بأن «الخصوصية» هي سبب عدم رفع السرية عن تلك الرسالة الإلكترونية والتي أرسلت من عنوان لوينسكي الإلكتروني الخاص بوزارة الدفاع «البنتاغون» حيث كانت تعمل آنذاك. والرسالة التي نشرت في 22 أكتوبر (تشرين الأول) 1997 كانت موجهة إلى صديقة لوينسكي أشلي راينز، وهي إحدى الشخصيات التي ظهرت أسماؤها عند التحقيق بعلاقة كلينتون بلوينسكي لاحقا.
وعدم الكشف عن وثائق شخصية حساسة حتى الآن لا يعني أن هذه القضايا لن تثار مستقبلا في حال قررت كلينتون خوض الانتخابات الرئاسية. لكن العامل الأهم هو العامل السياسي والاقتصادي للبلاد. والكثير من القضايا السياسية التي كانت مطروحة في التسعينات من القرن الماضي ما زالت هي نفسها مطروحة اليوم، وما زال بعض مسؤولي إدارة أوباما هم أنفسهم ممن كانوا في مواقع المسؤولية في زمن حكم كلينتون، مما يعني أن التمعن في هذه الوثائق قد يعطي الخبراء والمراقبين الكثير من المواد لفهم شخصيات المسؤولين، وطبيعة النظام، وتاليا الخروج ببعض الاستنتاجات والتكهنات عن عملية اتخاذ القرار الأميركية اليوم، وعلى الأرجح في المستقبل القريب.
* السيدة الأولى كانت سلاح إدارة كلينتون لإصلاح الرعاية الصحية وثيقة تظهر جهود البيت الأبيض للتأثير على أعضاء مجلس الشيوخ من خلال هيلاري
* كان موضوع الرعاية الصحية من أكثر المواضيع الداخلية التي شغلت إدارة الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون. وكانت زوجته هيلاري كلينتون من أكثر مستشاريه المهتمين بهذا الملف، وساهمت بشكل مباشر في دفع قضية إصلاح النظام المعقد في الولايات المتحدة، ولكن فشل كلينتون في النهاية بتحقيق الإصلاحات التي كان يطمح إليها.
وفي وقت شعر فيه البيت الأبيض بأنه يواجه تحديات حقيقية في الكونغرس لدفع إصلاح نظام الرعاية الصحية، توجه إلى كلينتون للتدخل لإقناع أعضاء في الكونغرس من الجمهوريين لدعم سياسة كلينتون. وبحسب وثيقة نشرت ضمن وثائق كلينتون الرئاسية قبل أسبوعين، وجه مستشار كلينتون الخاص للرعاية الصحية كريس جينينغز رسالة إلى هيلاري كلينتون بتاريخ 22 مارس (آذار) 1993، مرفقا معها أسماء أعضاء في مجلس الشيوخ يمكن أن يقتنعوا بدعم مشروع قرار لإصلاح الرعاية الصحية. وكانت هيلاري كلينتون بمثابة «سلاح» يحاول البيت الأبيض استخدامه للتأثير على أعضاء مجلس الشيوخ ودفعهم لتأييد مشروع القرار المثير للجدل.
وبحسب الرسالة التي حملت عنوان «جمهوريون في مجلس الشيوخ يمكن استهدافهم كداعمين محتملين، وديمقراطيون في مجلس الشيوخ علينا جذبهم» لتمرير القرار، يوضح جينينغز في الرسالة أنه «لا يمكن الاعتماد على كل من الديمقراطيين الـ57» في مجلس الشيوخ المكون من 100 عضو على التصويت لصالح مشروع القرار. ويذكر أن مشروع القرار كان يحتاج إلى دعم 60 عضوا من مجلس الشيوخ من أجل تخطي عقبات تشريعية وضعها معارضو المقترح لإصلاح الرعاية الصحية. ويقول جينينغز: «لعدد من الأسباب، عدد غير قليل من الديمقراطيين سيشعرون بالقلق من التصويت معنا». وبحسب الوثيقة، فإن 14 جمهوريا أظهروا بوادر إمكانية دعم كلينتون، مما استدعى السيدة الأولى للتواصل معهم لجذبهم إلى طرف زوجها. وأرفق جينينغز لائحة بـ23 اسما من أعضاء مجلس الشيوخ، بينما أشر على أسماء سبعة منهم، مشيرا إلى أنهم «الأكثر صعوبة في الإقناع».
وتحذيرات جينينغز كانت في محلها، إذ في النهاية فشل بيل كلينتون في إقناع عدد كاف من الديمقراطيين لدعم مشروع القرار، مما أفشله في الكونغرس، رغم جهود هيلاري كلينتون الحثيثة. ويذكر أنه عندما قرر الرئيس الأميركي باراك أوباما العمل على إصلاح الرعاية الصحية بعد انتخابه في 2008، بقيت هيلاري كلينتون بعيدة عن القضية، إذ كانت تتولى حقيبة وزيرة الخارجية ولم تسع للانخراط بجهود جديدة لإحياء ذلك الملف.