كتاب 11

11:56 صباحًا EET

نادين شمس ضحية ميثاق«بله واشرب ميته»

“سمعت عن ميثاق الشرف الإعلامى ؟ ضرورى نشارك فيه”، فى أى مناسبة يجتمع فيها أكثر من ثلاثة إعلاميين لابدأن تسمع هذه العبارة ويتطرق الحديث عن الميثاق الخزعبلى الذى أصبح لايقل شهرة عن الأعلاميين الذى سيضع حدا لممارستهم الإعلامية التى تجاوزت حدود الأدب والذين يتباهون بأنهم ” قليلى الأدب ” والحمدلله .

الجميع ينتظرون هذا الميثاق ، وكأنه الحل السحرى الذى سيحول الساحة الإعلامية ليوتوبيا ، لكن عادى مصر كلها تعيش زمن اللت والعجن بتقدير أمتياز وليس الإعلامين فقط ، فجميع طوائف المجتمع خرجت من توبها ، وأصبحت تفتى فيما تفهم ومالاتفهم ، عادى أن تجد طبيب تجميل يدلو بدلوه فى أحد برامج التوك شو عن الأزمة الأوكرانية وسياسة بوتين الاستعراضية، أوسائق توك توك يتحدث عن أهمية ملف الطاقة الشمسية فى برنامج حمدين صباحى وكيف سينجح السيسى فى محاربة الفقر فى برنامجه الاقتصادى ،نعيش فى زمن وماله وكله على كله ولم يجى قوله والصراحة الجميع يقول مافى نفسه بلاضابط ولارابط ، والإعلام ليس سوى مرآة للمجتمع ، الافراط فى الكلام يحمينا الحمدلله من الافراط فى العمل والعياذ بالله .

إجماع على فساد المنظومة الإعلامية ، غريبة مادام الأمر كذلك ، فما الذى ينتظره الجميع ليبدأ بنفسه ، فالأخطاء تبدأ من عندك والاصلاح ايضا يبدأ بك ، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “الحلال بين الحـرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه ” . مستخدم الإعلام له دور، فيمكنه مقاطعة الصحف أو القنوات أو البرامج التى يجدها دون المستوى ، لكننا نكرر مايحدث مع بعض مشاهدى أفلام السبكى الذين يلعنونه بعد ذهابهم بكامل إرادتهم للسينما ودفع ثمن التذكرة ، الشعب يسير وفق فلسفة سعيد صالح فى مسرحية ” هالو شلبى” ، الذى يشد استك شرابه ليلسعه ، وحينما سأل “وتشده ليه” قال بسذاجت القروية : علشان يلسعنى ، جميعا ندخل معارك ليس هدفها الفضاء على ظواهر ننتقدها ولكن لتلسعنا ونتحدث عن لسعتها .

وميثاق الشرف أيها السادة ليس سوى مجموعة من المبادىء والقيم والأهداف التي يضعها مجموعة من الناس لأنفسهم ، ويلتزمون بها طوعا وأختيارا وليس إجبارا على عكس القوانين التى يمتثل لها الجميع.

واستخدام ميثاق الشرف يعتمد علي إيمان أشخاص (في مجتمع معين) بقدرتهم على أن يكونوا رقباء على أنفسهم والعقاب الوحيد الذى يتعرض له من ينقض هذا الميثاق خروج الشخص من هذا الجماعة منبوذا وشعوره بأنه لم يعد محترما بينهم .

ولقد تأسس أول نظام شرف يعتمد على مراقبة مجموعة لأنفسها في عام 1779 بجامعة ويليام وميرى بالولايات المتحدة الأمريكية بتوصية من محافظ ولاية فيرجينيا حينذاك ،”توماس جيفيرسون” المفكر السياسى الشهير والرئيس الثالث لأمريكا ،ولقد اقترح جيفيرسون نظام شرف يعتمدعلى الرقابة الذاتية للطلاب .

وفى مصر عدد كبير من مواثيق الشرف المهنى ، وسأتحدث عن واحد منهم، لأن صديقى العزيز الدكتور حيدر غالب كان أحد الذين عملوا بجد فى صياغته ونشره وهو الوثيقة المصرية لأخلاقيات المهنة الطبية ، بدأت الحكاية بأجتماع ستة من أساتذة الطب هم :د.أبوشادى الروبى ،د.احمد سامى ، د.بهيرة على فهيم ود.رفعت كامل ود. ضياء سيف الدين ود. حيدر غالب ، بالإضافة إلى أستاذان من غير الأطباء هما د. حميدة زهران أستاذ الأقتصاد ود. مصطفى سويف أستاذ علم النفس بكلية الآداب ، فى عام 1997 ولأن المجموعة كانت جميعها فى سن الحكمة والتأنى (مابين الستين والثمانين ) فلقد استمروا فى الاجتماع مرة أواثنين كل شهر لمدة تقرب من سبع سنوات ، وخرجت الوثيقة للنور ونشرت عام 2004فى كتيب صغير الحجم وصلت صفحاته إلى حوالى مئة صفحة ، وكان هدفها ” الالتزام الواعى بالقواعد الأخلاقية الواجبة الاتباع فى شأن كل مايمس مجال الطب “وسأذكر هنا بعض ماجاء فى القسم الثانى من الوثيقة التى تضم 4 أقسام وعنوانه:”آداب المهنة تجاه الأفراد والمجتمع “وبها الكثير من التفاصيل وأنشرماوجدته الوثيقة حق للمريض :

1- تقديم الرعاية الطبية للمريض بكل الاحترام والعطف

2-تمكين المريض من المشاركة فى اتخاذ قرار علاجه

3-المحافظة على خصوصية المريض وأسراره

4-أن توضع فى الاعتبار قيم المريض ومعتقداته دون المساس بعا

5-أن يتسع صدر الطبيب لطلبات المريض ورأيه فيما يخصه

وماجاء فى هذه الوثيقة المصرية نجد أنه لايتم الالتزام به تجاه المرضى وطالبى الخدمة الطبية وخاصة فى المستشفيات الحكومية وعدد من المستشفيات الخاصة ، والسيناريست نادين شمس وغيرها ، ضحايا عدم احترام هذه الوثيقة .

ومواثيق الشرف المهنية ليس لديها أدوات ردع للمخالفين ، بل هى تدعو للعمل بها طوعا واقتناعا ، وهنا يأتى دور الرقابة المجتمعية والمطالبة بتحويل بعض هذه البنود للقوانين واجبة النفاذ .

فلايمكن أن نتصور ان الإعلاميين الخارجين عن العرف الإعلامى سيتراجعوا عن نوعية ما يقدموه من خدمة إعلامية مزيفة وهابطة ، لمجرد خروج ميثاق الشرف الاعلامى للنور ، وصدق المثل العامى الذى يرد به المصرين على الحالمين بتطبيق المواثيق والقوانين التى بين أيديهم “بله وأشرب ميته ” .

التعليقات