كتاب 11
نهضة عربية ثانية
كنت أسمع الصديق مروان المعشر يتحدث عن كتابه الجديد «اليقظة العربية الثانية، ومعركة التعددية» وأسرح بفكري الى كتاب «اليقظة العربية» الذي ألفه جورج انطونيوس وصدر عام 1938، ثم لا أملك إلا أن أقارن يبن تلك النهضة ورموزها أمثال الشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني ومحمد رشيد رضا، وبين «النهضة» الثانية ويوسف القرضاوي وأحمد بديع وياسر برهامي.
كنا في مؤسسة ليغاتوم في لندن، وبعد أن رد أخونا مروان على أسئلة الصحافي البريطاني البارز مايكل بينيون، وهو من أعمدة «التايمز»، أكمل بالرد على أسئلة بعض المشاركين، وتلقيت الكتاب في اليوم التالي، عبر امازون، وقرأته في نهاية الأسبوع.
مروان المعشر يتكلم عن معرفة مباشرة بالخبر، فهو سياسي وأكاديمي في آن، عمل وزيراً لخارجية الأردن وهو الآن رئيس الدراسات في مؤسسة كارنغي.
هو يقول إن النهضة العربية الأولى بدأت من فوق، ونجحت في طرد الاستعمار، ثم قامت أنظمة ديكتاتورية في بلدان عربية عدة، والاستقرار الذي أشاعته كان زائفاً لأنه فُرِضَ بالقوة، وقد قام اتفاق غير مكتوب بين السلطات والمؤسسات الدينية يمنع أن تشكك الشعوب في تفسير الأنظمة للحقيقة. النهضة الثانية بدأت من تحت ولا تزال تعاني فأهدافها لم تتحقق في ثلاث سنوات.
هو يتحدث عن تجارب الثورة في بلدان عربية عدة، وأتفق مع وجهة نظره ازاء تونس والنجاح الجزئي الذي حققه العهد الجديد. كذلك وجدت تحليله أحداث مصر دقيقاً وموضوعياً، وسرّني أنه ضم ترجمة لوثيقة الأزهر الصادرة في حزيران (يونيو) 2011 والتي تحدد مواصفات حكم ديموقراطي مدني.
بالنسبة الى البحرين هو يقول إن الحل يجب أن يكون سياسياً وليس أمنياً، وهذا منطق سليم، غير أنني أريد أن أزيد على ما قال أخونا مروان، فالمعارضة لها طلبات محقة، وقد سجلت هذا دائماً في زاويتي هنا. إلا أن الذي حدث أن قيادة الوفاق تريد إقامة نظام ولاية الفقيه وتبعية لإيران، وتمارس العنف عندما تجد فرصة. في ميدان اللؤلؤ لم أسمع إطلاقاً كلمة ديموقراطية، وإنما «يسقط النظام» من متحدثين ومستمعين.
المؤلف مرجع ثقة في عرض القضية الفلسطينية. هو يتحدث عن الخطر الوجودي في سورية، ويكمل بالفرص الضائعة في الأردن وما يعكس عمق معرفته بمجرى الأحداث في البلدين. غير أنني أريد قبل أن يضيق المكان بنا أن أشير الى «القوى الثالثة» فالمؤلف يقول إن «الدولة العميقة» بمعنى مؤسسات الدولة المسيطرة، والإسلاميين لا يميلان الى التعددية في الحكم، ويسأل هو تقوم «قوى ثالثة» تتسلم التحدي وتثبت القدرة على بناء دولة تقدمية تعددية عصرية؟
هذا في بطن الغيب فأختتم بترجمة آخر فقرة في كتاب مروان المعشر: النهضة العربية الثانية بدأت لتوّها والنهاية قد لا تُعرَف في هذا الجيل. إلا أنها معركة تستحق أن تُخاض وأن تُكسَب، معركة التعددية في العالم العربي.
أما كتاب جورج انطونيوس فأختصر من الفقرة الأخيرة فيه: إن معاملة اليهود في ألمانيا وبلدان أوروبية أخرى عارٌ على ممارسيها وعلى المدنية الحديثة، والتاريخ لن يبرئ أي بلد لا يلعب دوره لتخفيف المعاناة عن اليهود. إن تحميل الفلسطينيين العرب العبء الأكبر من المسؤولية أمر مقزز أخلاقياً، فلا ميثاق أخلاقياً يبرر اضطهاد شعب لرفع الظلم عن شعب آخر. وعلاج طرد اليهود من ألمانيا ليس بطرد العرب من وطنهم وإيقاع الأذى بشعب بريء. لا مجال في فلسطين لشعب ثانٍ إلا بطرد الشعب الموجود فيها.