كتاب 11

11:15 صباحًا EET

كورونا والشفافية!

لعل أهم ما كان غائبا في موضوع مرض فيروس «كورونا» بالسعودية هو المعلومة الدقيقة؛ فالمعرفة قوة والعلم نور والجهل ظلام. إذا الإنسان تزود بالمعلومة ومن مصدرها (أيا كان شكل المعلومة طالما كانت صحيحة وسريعة) فسيسد الطريق ويفسد المجال تماما على كل من يرغب في استغلال الظرف لنشر الإشاعات والقصص المختلقة الكاذبة. ففي عالم الاتصالات وعلاقتها بالحكومات والشركات والمؤسسات أصبح الجاد والمحترم منهم يتبع ما يطلق عليه استراتيجية التواصل، سواء كان التواصل مع المواطن والمقيم أو مع الزبائن والعملاء والضيوف، كلها سواء، لأن الغاية منها استحداث نموذج جدي للتواصل يُحترم فيه المتلقي تماما ويتم تزويده بالأرقام والإحصاءات والبيانات المطلوبة التي تنقل الواقع (مهما كان مؤلما)، فالغاية ليست تجميل أو تزيين أمر مقلق فهذا لن يحقق سوى «طمأنة» قصيرة الأجل، ولكن التعامل بمصارحة وشفافية وإفصاح سيبني جسورا من الثقة الطويلة الأجل.

ليس معيبا ولا خطأ أن يجيء على أي بلد وباء أو مرض ويموت الناس بسببه، فهذه مسألة تتعايش معها وتتعلم منها البشرية بعمر الزمان نفسه، ولكن العيب الذي لا يقبل الجدل ولا النقاش هو التقليل من الحادث والواقعة بسبب أن الإعلان عنها معيب لنا.

في قواعد التواصل هناك شروط مطلوب تحقيقها وخصوصا فيما يتعلق بمسألة إدارة الأزمات، أولها الاعتراف والإقرار بوجود مشكلة وعدم نفيها واللامبالاة ممن يقول بوجود المشكلة، فإذا كان النفي والإنكار هو مقدمة الطرح فكونوا متأكدين أنه مهما زينت ونقحت ورتبت العبارات والكلمات والجمل التي تلتها فلن يكون لها أي نصيب من القبول ولا الاحترام، بعد ذلك من المفترض أن يكون هناك كم من المعلومات الموثقة للاعتماد عليها تشتمل على تواريخ وعلى أعداد وعلى تبيان جغرافي لمواقع الحدث، كل ذلك يتم عمله لتثبيت اعتمادية المصدر الرسمي ومصداقيته ورفع درجة الاحترام والثقة بينه وبين المتلقي للمعلومة، وهو الذي بدأت تقوم به وزارة الصحة السعودية منذ أيام بأنها «وضحت» حقيقة الأوضاع بالأرقام والبيانات وهو الأمر الذي أدى إلى ظهور أرقام كبيرة «فجأة»، وهي لا تعني أن الإصابات زادت ولكن تعني مكاشفة تامة لكل الحالات في كل المناطق بشكل واضح وصريح، وكذلك كان التفاعل الإيجابي مع كبرى المؤسسات الطبية الدولية وضمها للمجهود الإعلامي والعلمي بحيث تصبح شريكا في الحل بدلا من أن تكون خصما في المشكلة الأساسية. فن التعامل مع الأزمات له عدة أوجه، منها تحري المعلومة ومن ثم تقييم الوضع وتفويض الصلاحية لمن لديهم القدرة والثقة وبعد ذلك اتخاذ القرار المناسب مهما كان مؤلما ومزعجا.

لم يعد من الممكن عزل الخبر ولا حجب المعلومة، فهي تنتشر بصورة أو بأخرى، وإذا ما حوربت تظهر مشوهة، والنهج الذي اتبعه وزير الصحة المكلف في السعودية نهج نموذجي و«كما يقول الكتاب»، ويذكرني بأسلوب تعاطيه بكل ثقة ومصداقية وجدارة مع بيانات وإحصاءات البطالة وسوق العمل، فأخرجها بشكل واضح وحقيقي، بينما كانت البيانات من قبل «تخفف» من حجم الحقيقة بشكل فني ظريف.

الحرب على فيروس الكورونا (أو أي مرض أو وباء آخر) تبدأ بالمصارحة والشفافية والإفصاح، فهي سلاح لا يقل فعالية ولا أهمية ولا جدارة عن المصل المضاد للمرض نفسه، ومتى أحسن استخدام ذلك كانت أولى جولات القضاء عليه، فهو مصدر ثقة وطمأنينة وقوة.

التعليقات