كتاب 11
حكاية تُصور حال بلد
أعرف رجلاً انتدب خبيراً أجنبياً لإعادة ترتيب الأمور إلى ما هو أفضل داخل شركة يملكها، وحين جاء الخبير، فإنه أتى وفى يده ثلاثة حلول، وكان رأيه أن على الرجل أن يختار واحداً منها لشركته إذا أرادها أن تكون أحسن، غير أن صاحب الشركة بدا عليه التردد بعض الشىء فى الاختيار، وبدا أن الحلول الثلاثة معاً لا تعجبه!
هنا، لم يملك الخبير الأجنبى إلا أن يصارحه فيقول ما معناه، إن الشركة فى وضع سيئ، وإن سوء وضعها لا خلاف عليه وإلا ما كان قد جرى انتدابه، ولذلك، فإن أقل الحلول الثلاثة جدوى فى نظر مالك الشركة إنما هو قطعاً أفضل من الوضع الذى تعيشه كشركة فيه!
والمعنى إذا أخذناه بشكل أوسع على بلدنا بأكمله، ينطق بأن رئيس هذا البلد ليس فى حاجة إلا إلى أن يتطلع حوله فى العالم، ليكتشف أن لدى هذا العالم المحيط بنا أكثر من حل، وأكثر من بديل فى مواجهة مشاكلنا، إذا كانت الحلول المتاحة والمتراكمة عندنا، على مدى سنين، لا تعجب!
جنوب أفريقيا، مثلاً، التى جرى اتصال تليفونى بين رئيسها «زوما» ورئيسنا عدلى منصور، خلال أيام مضت، عندها تعليم جيد للغاية، ولسنا فى حاجة إلى شىء إلا إلى أن نرسل خبراءنا التعليميين ليسألوهم هناك عما فعلوا ليرتقوا بتعليمهم، ثم نستفيد من التجربة، ولا أقول ننقلها كما هى!
وبما أن الرئيس منصور كان قد قال فى أول حوار تليفزيونى له، بعد توليه المسؤولية، إن التعليم يمثل أولوية من أربع أولويات تشغله، فإننا نريد أن نرى منه، قبل أن يغادر، أنه قد ترجم كلامه حقاً إلى فعل.
وأرجو ألا يُقال إن الرئيس سوف يغادرنا بعد شهر ونصف الشهر، أو شهرين على الأكثر، ليأتى فى محله رئيس جديد.. إذ المتصور أن يظل المسؤول فى هذا الوطن، أياً كان موقعه، يعمل حتى لحظته الأخيرة، وكأنه باق فى منصبه مدى حياته، وساعتها سوف يترك من ورائه أعمالاً تبقى، لا أشياء مؤقتة ومرتبطة بزمانها وحده!
وليس مثال جنوب أفريقيا إلا خاطراً طاف فى البال، فى لحظته، وبالتأكيد، فإن هناك أمثلة أخرى لا حصر لها تعود بنا إلى حكاية البداية فى هذه السطور، وكيف أن الخبير الأجنبى كان صادقاً حين صارح الرجل صاحب الشركة بما معناه أن أقل الحلول فيما حولنا حظاً فى النجاح هى أفضل مما نحن فيه بصورة من الصور!
ولابد أن المتابعين لأحوال سوق العمل فى بعض دول أوروبا، على سبيل المثال، يعرفون أن بعض هذه الدول قد بدأ يفكر، بل ينفذ، فكرة تقول إنه من الممكن أن يشتغل العامل أو الموظف نصف وقته الذى يجب أن يعمله، ليحل محله فى النصف الآخر عاطل لا يجد ما يفعله، وهكذا يكون عندك نصف عاطل، لا عاطل بالكامل!
فكرة قد تكون جيدة، وقد تكون حتى غير جيدة، ولكنها فكرة جديدة، وتقول إن الدنيا ممتلئة بالأفكار، لمَنْ أراد أن ينتقى منها ويختار!
مشاكلنا لها حلول جاهزة، عندنا وعند غيرنا، ولسنا فى مقام البحث عن حل، فهو موجود هنا أو فى الخارج، ويبحث فقط عمَنْ يأخذه ويطبقه!.. ولم يعد مطلوباً من أحد، فى العام الرابع عشر من القرن الحادى والعشرين، أن يبدأ من الصفر، وإنما من النقطة التى انتهى عندها الآخرون.