في المخيمات: حنين إلى الديار
إذا سألت يوسف برغش متى يمكن أن يعود إلى بيته في قرية محجة في جنوب سوريا، فسيرفع يديه إلى السماء داعيا. يقول الرجل إن هذا هو «أمله الرئيس»، ولكن يوحي أسلوبه بأنه لن يغادر قريبا، فالحرب وحشية للغاية.
تقع إعادة اللاجئين مثل برغش إلى بلادهم من المخيمات ومساكن واضعي اليد في الأردن والدول الأخرى المجاورة في صميم حل الفوضى السورية. ولكن بعد الحديث مع اللاجئين، من الواضح أن هذا لن يجري إلا إذا أصبحت الأوضاع عبر الحدود أكثر أمنا. تلك هي نقطة البداية للتفكير في الحرب المدمرة التي تدور في سوريا منذ ثلاث سنوات وحتى الآن.
يجب أن تبدأ أي استراتيجية أميركية جيدة تجاه سوريا بالاعتراف بأن ما يحدث قد يكون حربا طويلة الأجل. وفي سبيل الوصول إلى حل سياسي نهائي، يكمن التحدي في تحقيق الاستقرار في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية، حتى لا يقع مزيد من القتلى ولا يكتسب الإرهابيون مزيدا من القوة ويستطيع اللاجئون العودة إلى ديارهم.
يبدو مخيم الزعتري من بعيد وكأنه سراب مكون من الخيمات البيضاء والمقطورات وسط صخور وغبار شمال الأردن. في الداخل، تجده موقعا لبؤس منظم؛ تصطف الخيمات والحجرات المعاد تجهيزها في شوارع متسخة مرقمة، مع وجود أبراج مياه ومراحيض كل عدة عشرات من الياردات. إنه أكبر مخيم للاجئين في الأردن، كان يضم 107 آلاف لاجئ عندما قمت بزيارة إليه يوم الاثنين الماضي، ويصله مئات آخرون كل يوم. في الإجمالي يبلغ عدد اللاجئين في الأردن، ذي التسعة ملايين نسمة، 1.3 مليون سوري، وصل 630 ألفا منهم منذ بداية الحرب، وفقا لما صرح به العميد وضاح الحمود من مديرية الأمن العام.
يملك العميد الحمود، الذي يتولى الإشراف على المخيم، سمات رجل الشرطة الضخم الصارم. وهو يعمل بكد من أجل توفير احتياجات اللاجئين، ولكن يجب معالجة المخاوف العميقة في الأردن تجاه هذه الأزمة. الحرب السورية قاتلة ولا يرغب الأردن في أن تنتقل عدواها إليه. لذلك يدير الحمود عمليات أمنية منضبطة تبدأ بإجراء مسح بيومتري بمجرد عبور اللاجئين للحدود.
يقول الحمود: «نخشى المتطرفين». يوجد عشرات من المساجد الصغيرة في المقطورات المعاد تجهيزها وبها مكبرات صوت ضعيفة تنقل الأذان. ولكنهم يتابعونها بدقة حتى لا تحدث مشكلات.
تكافح العائلات السورية الموجودة هنا من أجل الحصول على قدر من الكرامة، والمرح أيضا. يوجد في المخيم شارع رئيس يعرف باسم «الشانزلزيه» نظرا لأنه جرى إنشاؤه بالقرب من مستشفى ميداني يعمل به فريق فرنسي. وعلى طول الطريق المليء بالقاذورات توجد محلات تبيع الطعام والملابس ومستحضرات التجميل، وحتى الأجهزة الكهربائية والهواتف الجوالة. يوجد في نحو نصف المقطورات الأحدث صنعا أقمار صناعية خاصة بها لمشاهدة التلفزيون. لا يعد المخيم جنة، وقد اندلعت أحداث شغب هنا منذ عدة أسابيع، ولكنه مكان مريح بما يكفي لجعل الناس لا يهرعون إلى ديارهم.
سعيا إلى أفكار حول كيفية التخفيف من هذه الأزمة الإنسانية، زرت مكتب واحدة من منظمات المجتمع المدني تحمل اسم «وتد» في عمان. تقدم المؤسسة، بدعم من متبرعين أميركيين وسعوديين، الطعام والرعاية الصحية داخل سوريا. وتقوم في الوقت الحالي ببناء مخيمات للاجئين في الداخل أيضا حتى يستطيع الناس العودة إلى ديارهم.
يضع أحمد الأنصاري، مدير «وتد» في الأردن، رسوما بيانية وخرائط على الجدران لتوضيح عمليات المؤسسة. ويؤكد أن لديه ثلاثة مخازن للغذاء في المناطق المحررة في جنوب سوريا، كما أنه يعمل على بناء الرابع. ويعمل مع مجموعات أخرى على تشغيل 20 مستشفى ميدانيا في الداخل.
العمل الرئيس هو إدخال هذه المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى البلدات والقرى السورية المحاصرة. ترسل مجموعته نحو 1.600 طن متري من الدقيق إلى سوريا شهريا، بعد أن كانت ترسل 400 طن فقط منذ ستة أشهر. وأنشأ مخيمين للاجئين في منطقة الشجرة في الجنوب، يتسع أحدهما لـ428 خيمة بينما تبلغ سعة الثاني 318 خيمة، ويعمل أيضا على إقامة مخيم ثالث في مزيريب ويرجو أن تصل سعته في النهاية إلى خمسة آلاف خيمة.
يقول باسل الحريري، المحامي السوري الشاب القادم من حلب والذي يتفاوض في تعاقدات جهود الإغاثة: «نحتاج إلى مساعدة الناس داخل سوريا على تجنب فخ الاعتمادية». ويضيف: «سوف تستمر الأزمة السورية. ولن يكون هناك حل إلا إذا حدث توازن جغرافي وسياسي. حتى ذلك الحين سيكون علينا الحفاظ على سوريا حية».
من جهة أخرى يقول خليل إسماعيل الغوثاني، وهو لاجئ لديه ثمانية أطفال يعيشون في مخيم الزعتري: «بالطبع نريد العودة إلى المنزل. ولكن من سيحمينا؟». هذا هو لب المسألة، من الصعب الوصول إلى إجابة لا تشمل تقديم مزيد من الدعم العسكري للمعارضة السورية، وهو السؤال الذي يزعج إدارة أوباما ويقلق دول الجوار مثل الأردن.