كتاب 11
حتى لا نحمى الفساد بقانون
أصدر الرئيس عدلى منصور قراراً بقانون، لم يتوقف عنده أحد بالقدر الكافى، رغم أنه مهم للغاية!
القانون يمنع «الطرف الثالث» من الطعن على العقود التى توقعها الحكومة مع أى طرف آخر.
وبصراحة أكثر، فإنه أصبح ممنوعاً على أى شخص، منذ صدور هذا القانون قبل أيام، أن يطعن على صحة أى عقد تبيع به الحكومة أى شركة من شركات القطاع العام، أو تدخل به فى ارتباط من أى نوع مع أى جهة أو شخص أجنبى!
وليس سراً أن سبب صدور قانون بهذا المضمون يعود فى الأساس إلى أن عقوداً مبرمة بين الدولة، وبين أطراف مختلفة من خارجها، قد تعرضت للطعن من كثيرين أمام القضاء طوال الفترة الماضية بما أدى إلى فسخها.
ولم تكن المشكلة فى فسخ العقود فى حد ذاتها، وإنما كانت فيما ترتب على ذلك من لجوء الطرف المشترى المتضرر إلى التحكيم الدولى، وهى مسألة زادت ــ أولاً ــ عن الحد المعقول، وهددت، ثانياً، الحكومة بأن تدفع من التعويض للمتضررين ما يفوق طاقة خزانتها العامة بكثير!
ومع ذلك، ومع فداحة ما كان على الحكومة أن تدفعه من تعويضات من جيبها، ومن جيب دافع ضرائبها، إلا أن ذلك لم يكن هو الثمن الأكبر، الذى أصبحنا ندفعه يوماً بعد يوم، من لحم الحى!
إذ الثمن الأكبر راح يتمثل فى سمعة الحكومة المصرية فى سوق الاستثمار بوجه عام.. وكيف أنها حكومة، أياً كان الجالس على قمتها، لا تحترم تعاقداتها مع الغير، ولا تقيم وزناً لكلمتها التى ترتبط بها مع أى طرف خارجى!
ومن شأن شيوع سمعة كهذه، عنك كحكومة، فى سوق المال والأعمال، أن يصرف عنك كل راغب فى العمل معك، وأن يجعله يتردد كثيراً، قبل أن يضع يده فى يدك، ويدفعه إلى أن يبحث عن بديل فى أى دولة حولك، يستثمر فيه ماله!
والمعنى أن قانوناً من نوع ما أصدره الرئيس ينقذ ما تبقى من سمعة للحكومة فى مجال الاستثمار كانت تتآكل أسبوعاً بعد أسبوع، ويدعو كل مستثمر إلى أن يأتى إلينا، وهو مطمئن، كما يدعوه إلى أن يثق بنا، غاية الثقة.
هذا إذن قانون مهم، غير أن الأهم منه أن نتساءل عما سوف يكون عليه الحال لو اكتشفنا بأى طريقة أن عقداً من تلك العقود قد اختلط بفساد صغير أو كبير أثناء عملية البيع!
هنا يقول العقل إن علينا أن نحاسب الذى باع، لا الذى اشترى، وبمعنى آخر، فإن مثل هذا القانون الذى أصدره «منصور» يمكن أن يكون باباً لفساد فى العقود، يمارسه أصحابه، وهم على يقين بأنهم فى مأمن لأن أحداً، والحال هكذا، لن يكون فى إمكانه الطعن على العقد الفاسد، وبالتالى كشف فساده.
ولذلك فما ندعو إليه بقوة أن تكون هناك طريقة ما تكشف فساد أى عقد دون أن تفسخه، وتحاسب البائع الفاسد على الملأ، ليكون عظة وعبرة لغيره.. إذ يكفى أن نقوم بتجريس واحد من هؤلاء الفاسدين على الملأ، ليكون ذلك رادعاً لغيرهم.
لا تجعلوا هذا القانون حامياً لفساد من أى نوع واستردوا حق الدولة على داير مليم من الذى باع، إذا خالف فى العقد ما دام القانون الجديد يحمى الذى اشترى!