كتاب 11
ثمن يدفعه الوزير شاكر
فهمت من الدكتور محمد شاكر، وزير الكهرباء، خلال اتصال تليفونى منه أمس الأول، أنه لا يغيب عنه أن اللمبة الموفرة، لا العادية، هى المعتمدة وحدها حالياً فى الولايات المتحدة، ومنذ أول يناير الماضى.
وكنت قد قلت فى هذا المكان قبل اتصاله بـ24 ساعة، إنه لا يعقل أن تكون دبى، التى هى على مسافة ساعتين بالطائرة منا تعمل بيوتها كلها بهذه اللمبة، وتحظر ما سواها، ثم نظل نحن ندور حول أنفسنا، فيعانى الناس من انقطاع التيار، تارة، وتشكو الوزارة من نقص وقود محطاتها تارة أخرى فى الوقت الذى يمكن لنا فيه أن نقضى على معاناتنا، وعلى أسباب شكوى الوزارة، بقرار يلزم الجميع باستخدام «الموفرة» دون غيرها فى كل بيت.
الرجل يوافقنى فى اتصاله على ما قلت ثم يضيف كلاماً معقولاً لأنه منطقى، فهو عازم على أن نضىء بيوتنا فى المستقبل بمثل ما تضاء به البيوت فى أمريكا، وفى دبى، بل فى أوروبا نفسها، ولكن المشكلة، ومعه حق فى هذا، أنك كمسؤول لا تستطيع أن تفرض استخدام لمبة محددة صباح غد.. إذ لابد من فترة زمنية مناسبة تستطيع خلالها المصانع التى تنتج اللمبة العادية أن توفق أوضاعها، وأن تتوقف عن إنتاجها، لأنه لا مكان لها فى أى بيت فيما بعد.
هذا طبيعى، فليس فى إمكان أى حكومة ولا هو مقبول منها أن تفاجئ المواطنين بأى قرار لم يستعدوا له، وإنما لابد من أن يقال لهم مسبقاً إنه ابتداء من يوم كذا فى شهر كذا سوف لا يكون متاحاً لأى مواطن أن يضىء بيته إلا باللمبة الموفرة وحدها، لأنها كما هو واضح من اسمها توفر نسبة كبيرة للغاية من الطاقة المستهلكة.
إننى أعرف رجلاً كان يستخدم اللمبات العادية فى منزله، وكان يدفع 1000 جنيه شهرياً، فاتورة كهرباء، فلما استبدلها وأحلّ مكانها اللمبة التى لم يعد أمامنا مفر من استخدامها صار يدفع 180 جنيهاً فى الشهر!
ولا أحد يعرف كيف غاب حل من هذا النوع عن كل وزراء الكهرباء السابقين، وكيف لم يدركوا فى ظل تزايد استهلاكنا أنه سوف يأتى علينا يوم لا تكون المحطات قادرة فيه على الوفاء باحتياجاتنا، وهو ما حدث بامتداد عامين أو ثلاثة مضت، وأصبح التيار يزورنا على فترات، وكأننا فى حالة حرب!
أعود إلى الوزير شاكر، لأقول إن مجمل اتصاله يشير إلى أنه يملك تصوراً متكاملاً، لخفض الاستهلاك قبل أن يسعى إلى زيادة عدد المحطات، أو مضاعفة قدراتها على توليد الطاقة.
فهو، مثلاً، قد أقنع عدداً من التجمعات التجارية الكبرى ذات الإضاءات الصاخبة بخفض استهلاكها إلى النصف تقريباً، وهذا فى حد ذاته شىء مهم، لولا أنه ينقصه حتى الآن أنه لم يتم تسويقه جيداً لدى الناس، وهو الأمر الذى يقول الوزير إنه قيد الإعداد، وإنه فى الطريق.
وتقديرى أن وزير الكهرباء، وأننا جميعاً، ندفع ثمن تعليم لم يؤهل كل طالب فى أى مدرسة، لأن يكون مواطناً رشيداً فى حياته يعرف كيف يستهلك الشىء، أى شىء، على قدر حاجته، وحاجته فقط!
إن نظرة سريعة على طريقة استهلاكنا للماء، على سبيل المثال، تنطق بأننا فى مجملنا مجموعة من السفهاء، وأن أنهار الدنيا كلها تصب عندنا، وأنه لا مشكلة عندنا فى الماء ولا يحزنون!
ولهذا كله، فإننا لا نبالغ بأى مقدار حين نقول ونعيد دون ملل أن التعليم ثم التعليم، ثم التعليم الجيد، طبعاً، هو الذى يتعين إن يكون أولوية الرئيس المقبل المطلقة، ثم أى رئيس قادم من بعده، ولو حدث هذا من قبل لما كان الوزير شاكر قد شكا من شىء، ولا كنا عانينا من نقص شىء لا يستطيع هو توفيره، وكنا قد انشغلنا فى لحظتنا من القرن الحادى والعشرين بشىء أهم وأجدى!