كتاب 11
ذبذبة في التحالف الإيرانيّ-السوريّ
تحالف النظامين السوريّ والإيرانيّ بخير طبعاً، ولا فائدة من نشر الأوهام حول اعتلاله أو سقوطه. هذا لن يحصل. وسيترشّح بشّار الأسد مجدّداً للرئاسة مسلّحاً بهذا التحالف وبإنجازاته في الكيماويّ والبراميل.
مع ذلك، اعترت التحالفَ قبل أيّام ذبذبة تستوقف. الإعلام عكس ذلك كما عكسته الوزيرة السوريّة الفصيحة. فنظام دمشق منع قناتي «المنار» و «الميادين»، وهما حصّة إيران المباشرة، من التغطية المباشرة للتطوّرات الميدانيّة في سوريّة. ذاك أنّ تقاريرهما أكّدت دور الفصائل التابعة لطهران في المعارك، أمّا القوّات النظاميّة السوريّة، وفقاً لتلك التقارير، فبدت كأنّها تغطّ في سبات عميق.
الوزيرة بثينة شعبان ناقضت هذه الصورة، مؤكّدة أنّ «جيشنا الباسل… العربيّ السوريّ» هو الذي يحقّق التقدّم على الأرض، أي أنّه هو الذي يقتل أكثر ويحرق أكثر. وفقط بعد توكيد المبدأ، لحظ الموقف الرسميّ السوريّ التفاصيل، ومفادها أنّ «المنار» و «الميادين» جزء لا يتجزّأ من جبهة المقاومة والممانعة.
في الحالات كافّة، مفهومٌ أن يشعر النظام الأسديّ بشيء من المهانة. فبعد العرافة التي مارسها غير مرّة أمين عام «حزب الله»، محدّداً المراحل التي يمرّ فيها القتال في سوريّة، وكيف أنّ النظام نجا وينجو من السقوط، أعلن قائد سلاح الطيران في «الحرس الثوريّ» الإيرانيّ، أمير علي حجي زادة، «أنّ الأسد ما زال في السلطة لأنّ إيران شاءت ذلك». وهذا وذاك من المواقف استحقّت «ردوداً» مداورة من نوع أنّ «طهران بتصدّيها للعثمنة الجديدة، لا تدافع عن سوريّة، وإنّما عن وجودها بالذات». فالأمر، في النهاية، مصلحة مشتركة لا محلّ فيها للمنّة والتمنين.
لقد خاض جمال عبد الناصر، مطالع الستينات، حرب اليمن وكان مدعوماً من الاتّحاد السوفياتيّ، علماً بأنّ خلافاته مع موسكو كانت لا تزال حادّة في شأن العراق، فضلاً عن التباين في تقويم الوحدة المصريّة – السوريّة التي كانت قد سقطت للتوّ. وهذا ما تناولته خطابات وكتابات وكتب سجاليّة كثيرة صدرت عن الطرفين يومذاك. إلاّ أنّ اصطفاف حرب اليمن دلّ على أنّ الخلاف في مكان ليس بالضرورة خلافاً في كلّ الأمكنة.
فإذا طبّقنا هذا المبدأ على العلاقات السوريّة – الإيرانيّة الراهنة، وتعاملنا بجدّ مع الدعاوى الإيديولوجيّة المعلنة، تبدّت لنا أسباب موضوعيّة للخلاف. هكذا يغدو التنافس على جبهات القتال في سوريّة ظلاًّ من ظلال التنافس العريض. ففي مقابل البعث وقوميّته العربيّة العلمانيّة، هناك النظام الإسلاميّ ودعوته الإيديولوجيّة العابرة للحدود. وفي مقابل التصوّر العروبيّ للعراق ومستقبله، حيث يتمتّع البعث بوجود عريق، هناك التصوّر الإيرانيّ الإلحاقيّ الذي جرى التقليد العروبيّ على وصفه بالشعوبيّة. أمّا في لبنان، وما هو إلاّ خاصرة سوريّة، فبات من الحاسم أنّ طهران وحزبها ومُواليها حلّوا محلّ دمشق وتشكيلاتها الحزبيّة الوطنيّة والتقدّميّة وأجلوهم كلّيّاً عن المشهد.
نبادر إلى تنبيه القارئ أن يضع بنفسه المزدوجات حول الكلمات الواردة أعلاه: فلا العلمانيّة علمانيّة ولا التقدّميّة تقدّميّة. أمّا الذي يبحث عن كتب ومطالعات، كالتي رافقت النزاع المصريّ – السوفياتيّ، تفسّر له اختلاف النظرتين السوريّة والإيرانيّة فعن عبث يبحث. كلّ ما في الأمر، في الحالة التي نحن في صددها، حزازات ومناكفات صغرى وعبارات مموّهة في حواشي المقالات تظهر يوم إثنين وتختفي يوم أربعاء.
وهذا، والحقّ يقال، أقرب إلى سلوك عصابات صلتها بالغنائم القليلة المباشرة أكبر كثيراً من صلتها بالكرامة الوطنيّة والأطروحات الإيديولوجيّة. ولأنّ الغنيمة الكبرى بقاء النظام السوريّ، المشروط باستمرار الدعم الإيرانيّ، فإنّ المسألة لن تكون أكثر من ذبذبة عابرة.
بيد أنّ الذبذبة التي استحضرها تقدّم طفيف على الأرض، تنبّه إلى مسألة أهمّ: كيف ستكون العلاقة بين العصابات حين تحلّ الهزائم محلّ الغنائم الصغرى ولا تبقى إلاّ هي موضوعاً للتنازع؟