كتاب 11
بلا رياضة بلا تعليم
في مقالة الأمس كتبت عن بعض الفتاوى الغريبة فاتهمني بعض القراء بأنني أؤلف كذباً وطالبوني بأدلة وإثباتات، وفي معرض بحثي عن الأدلة المصورة لهذه الفتاوى بالصوت والصورة، وقعت على ما هو أسوأ منها. نحن نعرف منذ فترة أن هناك وجهات نظر يرددها بعض المنتسبين إلى التيار المتشدد حول برنامج الملك عبدالله للابتعاث العلمي الذي هو واحد من أهم مشاريع الإصلاح التي تصدى لها، ونتج منه ابتعاث ما يزيد على 150 ألف طالب وطالبة يدرسون في الجامعات الأجنبية في مختلف أنحاء العالم، وقد حرضت هذه الحركة التعليمية رغبة بعض الأهالي الذين لم يستطع أبناؤهم الالتحاق بالبرنامج على حساب الحكومة، في بعثهم للدراسة على حسابهم الخاص.
لكن بعض الشيوخ الذين شعروا أنهم فقدوا أهم ميادين السيطرة على هذه القوة، قوة الشباب، الذين اعتادوا السيطرة عليهم وتوجيههم، لم تعجبهم القصة، فهاجموا برنامج الابتعاث وشنعوا عليه وصوروه بأنه مدخل لتخريب الشباب وتهديد دينهم، متغاضين عن الأخبار الرائعة لنجاح هؤلاء الشباب الذين عادت دفعات منهم ناجحين متفوقين، وبعضهم حاز جوائز علمية وتفوقاً بحثياً أو تقنياً. اعتراض هؤلاء الشيوخ على قرار ما يزيد على 150 ألف عائلة قبلت أن ترسل أبناءها للدراسة بالخارج يجده البعض مجرد وجهة نظر من حقها أن تحلّق في الفضاء وتعبّر عنها نفسها، ولا يحق لأحد أن يعترضها وإلا صار من المفترين الدجالين.
لكن ما وقعت عليه هذه المرة أن شيخاً اشتهر بالتشنيع على برنامج الابتعاث العلمي في برامج تلفزيونية وفي حسابه في «تويتر» الذي يديره مريدوه، وجدت هذا الشيخ في مشهد مصور يلقي خطبة في أكبر جامع في الرياض يتسع لـ 20 ألف مصلٍّ وهو مسجد الراجحي يشنّع فيها على ابتعاث الطلبة والطالبات، ومجمل اعتراضه أنهم يختلطون بالغرب ويتعرضون لأفكار الإلحاد وضياع الشرف والقيم. هل هذه مجرد وجهة نظر؟ وهل منح هذا الشيخ مايكرفوناً من صنع الغرب الكافر، والذي يركب سيارة صنعها الكفار، ولبس ثوباً صنعه وخاطه الغرب الكافر هو من باب الديموقراطية؟ هل من الديموقراطية أن يمنح رجل منبراً في مسجد يؤمه البسطاء كي يؤثر في تفكيرهم ويخوّفهم ويهدد مستقبل أبنائهم؟ وأن يهاجم مشروعاً تنويرياً تعليمياً تتبناه الدولة ويؤمن به أكثر من الـ 150 ألف عائلة وترى أنه من حقها؟ وطالما أن هذا الفعل هو ديموقراطي فلماذا لا تتبنى الدولة الرأي وضده فتمنح آخرين لهم رأي معارض مساجد أخرى كي يدافعوا عن حق أبنائهم في الابتعاث؟ وهكذا نحول مساجدنا إلى منصات حزبية تدافع عن برامجها، وبدلاً من أن ينشغل الناس بعبادة الله والصلاة في بيئة تعمها السكينة تصبح المساجد منابر حزبية للرأي والرأي المخالف. ولا أنسى فأذكركم بأن هناك قضايا وحقوقاً نسائية تحتاج النساء إلى منصاتها الخاصة بها أيضاً، لهذا يستحسن أن تُفتح المساجد للنساء أيضاً كي يمارسن برنامجهن الحزبي فيها.
الشيخ نفسه الذي هاجم برنامج الابتعاث عاد في محاضرة أخرى في المسجد نفسه وهاجم وزير التربية والتعليم السابق في وقت سابق لأنه فكّر -مجرد تفكير- بأن يوافق على رغبة بعض الأهالي في إدخال مادة التربية البدنية للبنات، فاتهمه بأنه يتعامل مع «مدارس بناتنا كحظائر»، ولا أدري ما هي علاقة الحظائر بالتربية البدنية إلا إذا كانت فعلاً منحطاً، ولهذا فلا غرابة بعد هذا الشحن والتهييج للناس أن يخرج عدد من المحتسبين ويحاصروا مجلس الشورى كي يعترضوا على التوصية التي ناقشها وأقرها مجلس الشورى الأسبوع الماضي بأهمية إدراج مادة التربية البدنية للبنات، وكأن هذه المادة قرار كبير جداً يحتاج إلى تشريع من مجلس الشورى، هل تقللون من قدرها؟ سترون أي معركة ستخوضها الوزارة كي تطبّقها، فجماعتنا المتشددون برنامجهم «بلا رياضة بلا تعليم».