كتاب 11
هل تقبل أن يُضرب رئيسك «بالجزمة»؟
حين تذكر كلمة «حذاء» ماذا يدور في خلدك، لو كنت عمليا فستفكر في سعر الحذاء الآن والتفاوت الكبير بين سعر المصري والصيني والإيطالي في حالة لو كان جلدا طبيعيا أو صناعيا، ولو كنت رومانسيا فستفكر في حذاء سندريلا، وكيف كان رسول الغرام بين قلب الفتاة الفقيرة اليتيمة والأمير الوسيم، الذي حقق لها حلما مازالت كل فتاة تتمناه، ولوكنت ذاميول اشتراكيةوتترحم على الاتحاد السوفيتي السابق الذي كان وجوده ضروريا لتحجيم أمريكا، فستتذكرحذاء خروشوف، حين خلعه في الأمم المتحدة عام 1960 ضاربا به على منصة الاجتماعات ومهددا أمريكا بكلمة واحدة «سندفنكم»، ولو كنت من عشاق التاريخ وحوادثه الغريبة فستتذكر مصرع شجرة الدر بالقباقيب على يد أرملة عز الدين أيبك ومعاونيها، ولوكنت من المتحمسين للتجارب الحزبية قبل الثورة فستتذكر مشروع مكافحة الحفاء الذي تبناه حزب الوفد لتوفير حذاء لحوالي نصف الشعب المصري والذين كانوا من الحفاة، ولو كنت من متابعي نشرات الأخبار العالمية فسيذكرك بما حدث الأسبوع الماضي مع هيلاري كلينتون حين قذفتها شابة بالحذاء أثناء إلقائها كلمتها في مؤتمر بمعهد إعادة تدوير النفايات في لاس فيجاس.
وفيديو هيلاري هو الذي دفعني لكتابة هذا المقال، فلقد أثار رد فعلها إعجابي الشديد، بعد أن شاهدته على بي بي سي، فلقد انحنت برشاقة وبراعة، لتتفادى هجوم الحذاء العابر للقاعة، وحولت الموقف المخجل إلى موقف طريف، فلم تفارقها ابتسامتها وقالت:«لحسن الحظ أنها ليست ماهرة مثلي في التصويب»، وتابعت حديثها ضاحكة «لم أكن أعتقد أن إدارة النفايات مثيرة للجدل إلى هذا الحد». وهو ما أثار احترام وإعجاب الحاضرين فصفقوا لها بحماس.
لم يعرف أحد حتى الآن ما الذى دفع تلك الشابة الشقراء الجميلة أليسون إرنست إلى قذف كلينتون بفردة الحذاء وأضاعت على نفسها الفردة الأخرى، ولقد تعامل رجال الأمن معها وفقا للقانون ثم أطلق سراحها بعد أن كتبت تعهدا رسميا بعدم التعرض لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، وحددت لها جلسة محاكمة لانتهاكها النظام العام فى يونيو القادم. أعاد هذا الموقف للذاكرة حادث الصحفي العراقي المنتظر الزيدي الذي ألقى حذاءه في وجه جورج بوش الابن في شتاء 2008، معربا عن استيائه من الغزو الأمريكي لبلاده وما أعقبه من دمار وتفكيك للدولة العراقية، وكان رد فعل بوش قريبا من رد فعل هيلاري، وتعامل الإعلام مع الموقفين باعتبارهما مواقف فردية احتجاجية لم يتم تأويلها فى سياق المؤمرات الكبرى أو حروب الأعداء التقليدية.
استمرت ظاهرة إلقاء الأحذية على السياسيين على مدار عام 2009 وأصبحت «موضة» في العالم بأسره، وهو ما حدث لرئيس وزراء الصين ورئيس وزراء أستراليا فى بريطانيا، والسفير الإسرائيلي في السويد، ووزير الداخلية الهندي في بلده، ورئيس صندوق النقد الدولي في تركيا.
في كل هذه المواقف تم التعامل مع الأمر بأنه أسلوب احتجاجي مبالغ به وليس إلا، لم يأخذه الرئيس أو الوزير أو المسؤول بمحمل شخصي بل اعتراض على موقف اتخذه بصفته الوظيفية، أما هنا فى مصر فهناك خلط غريب بين العام والخاص، والحاكم والدولة. ظللنا عقودا طويلة نعتبر أن انتقاد الرئيس من انتقاد الوطن، فهو الوطن والوطن هو، وتصورت أن ثورتي يناير ويونيو أنهيتا أسطورة الرئيس الإله، لكن صدمني تعليقات بعض القراء على مقالي السابق «السيسى …الصندوق الأسود» وكيف اعتبروا أن مجرد التفكير بأننا لا نعرف المشير السيسي وأن عليه فى الفترة القادمة أن يقدم لنا نفسه كحاكم- خيانة وعمالة، بل إن أحدهم أمطرني بوابل من الرسائل على إيميلى المنشور أسفل المقال ليحذرني من مغبة هذا النهج الذي أشترك فيه مع عدد من كتاب جريدة «المصرى اليوم»، سماهم بالاسم، واعتبرهم من الخونة المأجورين المعادين للوطن. مثل هذا التفكير المريض يجد له أنصارا فى الإعلام للأسف، يجدون فى تخوين المصريين المختلفين معهم في الرأى، أمرا سهلا ويمارسون بسعادة القتل المعنوي لأمثال هؤلاء، وهم بذلك لا يختلفون كثيرا عن الجماعات الإسلامية الجهادية التي تكفّر المجتمع وتنفذ فيه حكم الإعدام الجسدي ونشر الإرهاب.
أحاول أن أتخيل ماذا سيفعل ويقول أمثال هؤلاء لو ألقى أحد بحذائه في وجه رئيس مصر القادم! وأتذكر ناشطا على فيس بوك كتب عقب إلقاء أحذية على الفريق شفيق أثناء جولته الانتخابية الرئاسية في أسوان في مايو 2012 «ربنا يستر، لو انتخبه الشعب هيقلعنا كلنا الجزم ويمشينا حافيين».
أرجوك لا تتخيل، فمن الممكن أن يكون هناك من يترصد خيالك ويسجله عليك ويعطيه لعبدالرحيم علي ليعرضه كتسريب يوديك في ستين داهية.