كتاب 11
ولا العفاريت الزرق
استغرق الأمر وقتا طويلا لكي أدرك أن الطرق في الوسط الفني ليست مستقيمة، بل هي متعرجة وملتوية وليست لها خرائط معروفة وأنه من الممكن أن يمشي فيها الإنسان حسن النية فيتوه إلى الأبد. هذه هي محصلة تفكيري عندما قرأت عن المسابقة التي أعلن عنها المسرح الكوميدي بين المؤلفين الشبان. أخذت الجريدة في يدي وذهبت إلى إدارة المسرح الكوميدي ومعي ثلاث نسخ من آخر مسرحية كتبتها وهي «ولا العفاريت الزرق».
طلبت من سكرتير المسرح أن يثبت لي في وصل الاستلام أنه تسلم مسرحية كذا للاشتراك في مسابقة كذا التي أعلن عنها مسرح كذا والمنشور الإعلان عنها في جريدة كذا بتاريخ كذا، وكان سكرتير المسرح شابا ظريفا أو لعله كان يشفق علي لعدم يأسي وكثرة محاولاتي، لذلك كتب لي الإيصال بنفس المواصفات التي طلبتها. وبعد أسابيع بدأت مرحلة جديدة هي السؤال عن نتيجة المسابقة.. نعم..؟ أفندم..؟ مسابقة إيه؟.. مسابقة المسرح الكوميدي.. مين.. فين؟ كانت فين المسابقة دي؟ أهي يافندم.. الإعلان أهو.. وآدي الوصل اللي قدمت بيه المسرحية.. أول مرة نعرف إن المسرح عمل مسابقة.. هو مين اللي عملها بالضبط؟
لجنة القراءة التي سبق لي أن عرفت أفرادها قالت لي نحن مسؤولون فقط عن الرفض والموافقة على الأعمال المسرحية، حكاية المسابقات هذه أو تقديمها من عدمه، لا شأن لنا بها. وهنا كان يجب التقدم مباشرة بشكوى لحماد بك أكبر مسؤول في الإذاعة والتلفزيون، وكان مسؤولا أيضا عن مسرح التلفزيون. استدعاني الرجل، رحب بي وقال: لقد قرأت مسرحيتك، وأعجبت بها غير أني أختلف معك في حكاية العفريت هذه.. أريدك أن تعيد كتابتها من غير العفريت.
فقلت له: عندي يافندم مسرحيات أخرى ما فيهاش عفاريت.. أما هذه المسرحية، ففكرتها قائمة أساسا على أن هناك عفريتا يشعر بالاستياء لأن البشر يشيعون عنهم أكاذيب كثيرة، ولذلك قرر النزول إلى الأرض لعمل علاقة تعاون بين البشر والعفاريت، كل حواديت البشر فيها كمية كبيرة من العفاريت، وأيضا ألف ليلة وليلة.. لو شلت منها العفريت، ما يبقاش فيه مسرحية.
فرد علي بهدوء: لقد اختلفنا ولا بد من شخص ثالث يحكم بيننا.. إذا وافق على وجهة نظرك لا بأس.. إذا وافق على وجهة نظري فلا بد أن تحترم ذلك.
فقلت: حسنا يا سيدي.. غير أني أطلب منك أن تطلب منه فقط الحكم على صلاحية المسرحية، لأنني أخشى أنه عندما يعرف وجهة نظرك فمن الوارد جدا أن يتحيز لك.
فرد: حاضر..
وبدافع من عمق الشك بداخلي قلت له شيئا لا أجرؤ على قوله لأي مسؤول الآن: أعطني كلمة جنتلمان يا سيدي.
فابتسم الرجل ويبدو أنه أدرك أنني ما زلت أعيش في عصر لا وجود له وأجاب: أعطيك كلمة جنتلمان.
وهذا ما حدث فعلا، اختار جلال الشرقاوي المخرج الذي عاد من بعثته في فرنسا منذ عام تقريبا، والتقينا في مكتب حماد بك، واتضح أن الرجل حافظ على كلمته كجنتلمان فعلا، وقال جلال إنه موافق على المسرحية وعلى استعداد لإخراجها.
وأزال جلال قلقه عندما أعطى الدور للراقصة المشهورة نجوى فؤاد.. هل يخشى أحد عفريتا يرقص وله جسم نجوى فؤاد..؟