كتاب 11
«وزارة الثقافة» و«تورنت»!
تذكرت قصة قديمة لجيران لنا كان والدهم منع دخول التلفزيون إلى منزله مطلع الثمانينات، بحجة أن هذا التلفاز بدعة أو حرام، مع أن التلفزيون في ذلك الوقت لم يكن يعرض سوى قناة محلية واحدة، إذ يبدأ بثه في الخامسة مساء بالسلام الملكي ثم القرآن الكريم، ثم نصف ساعة من أفلام الكارتون التي هي مطلب الأطفال وحصتهم من الفرجة، ينصرفون بعدها للعب في الحارة، لتبدأ برامج الكبار المملة.
وحين لم يجد الأطفال التلفزيون في منزلهم، ذهبوا لمشاهدته في بيوت الجيران، واشتهروا بأنهم صاروا أكثر شغفاً بالتلفزيون، وحين أصبحوا مراهقين صاروا يتأخرون في العودة إلى منزلهم عند الجيران أو في المقاهي، بسبب عدم وجود تلفزيون في منزلهم. اليوم كبر هؤلاء الأطفال، وشهدوا العالم وهو يتمدد ويتطور، فلم يعد التلفزيون مجرد قناة محلية، بل فضائيات لا حدّ لها ولا عدد، وصاروا من عشاق السينما التي يسافرون ليحضروها خارج البلاد، ولم يفلح والدهم سوى بجعلهم في موقف مرتبك منه لا من التلفزيون!
تذكرت هذه القصة وأنا أقرأ خبراً أثار غضب شريحة من الشباب في «تويتر»، ويحتج على حظر وزارة الثقافة والتلفزيون السعودي موقعاً شهيراً يدعى «تورنت»، والسبب كما ذكرت الوزارة يعود إلى أن الموقع مخالف لأنظمة وزارة الثقافة والإعلام، إذ يوفر مواد سينمائية وموسيقية وألعاباً مقرصنة، وهذا – وفق الوزارة – سبب كافٍ لحجبه.
احتجاج شريحة كبيرة من الشبان والشابات جاء بشكل خاص من المهتمين بالسينما، الذين كانوا يجدون في الموقع كثيراً من الأفلام الحديثة التي لا يتمكنون من مشاهدتها بسبب غياب دور عرض السينما في السعودية، التي يلزمهم لمشاهدتها قطع 500 كيلومتر عن الرياض، وعبور جسر البحرين، أو السفر إلى دبي، أما الوزارة فتحتج بأن هذه الأفلام مقرصنة. الشباب يحتجون بأنه طالما عجزت وزارة الثقافة عن توفير سينما لهم، فلا يحق لها أن تمنعهم من مشاهدة الأفلام حتى ولو كانت مقرصنة. وفي الحين الذي لا نستطيع أن نشجع الشباب على القرصنة أو انتهاك الحقوق الفكرية والثقافية المعتمدة عالمياً، إلا أننا يمكن أن نتفهّم أسباب احتجاجهم، فهم يتساءلون: هل يحمي هذا الحظر حقوق الأفلام السينمائية التي لا وجود لها في السعودية؟ أم أنها تخاف أن يخف الإقبال على دور العرض التي لا وجود لها في السعودية؟ وأنها ربما تمتلك هذا الحق لو أنها وفّرت سوقاً سينمائية في السعودية، أو حركة ثقافية تشبع ميول الشباب وحاجتهم إليها من مسرح وسينما وموسيقى وفنون أخرى، ما يجعل الوزارة تبدو مثل ذلك الأب الذي منع أبناءه من مشاهدة التلفزيون، فاضطروا لمشاهدته عند الجيران، وما تمنعه من الدخول عبر الباب سيدخل من النافذة!
الذي لا يعرفه المخضرمون – وأظن معظم موظفي وزارة الثقافة منهم – أن معرفتهم مهما كبرت بهذه المواقع لا تعادل شيئاً أمام معرفة هؤلاء الشـــباب بالفضاء الإلكتروني، ففي كل يوم تنبـــت مئات من المواقع الجديدة، ويعود نجاحها وشهرتها لأنها تجمع أصحاب الهوايات المتشابهة والاهتمامات المشتركة، ولن يجدي نفعاً تتبعها أو حظرها، هذا إن لم يجدوا طرقاً للقفز فوق أسوار الحجب وفضّ أقفالها. الوزارة في كل مرة تحجب وتمنع توقع نفسها في سؤال لا يسأله الشباب فقط بل الجميع: عندك بديل؟