كتاب 11

11:11 صباحًا EET

السيسى.. الصندوق الأسود

كان لجدتى مثل شعبى تردده كلما سألها أحد عن شخص بالكاد تعرفه: «لا تذم ولا تشكر قبل سنة وستة أشهر». الصراحة لا أعرف لماذا سنة وستة أشهر، ربما السنة غير كافية والسنتان أطول من اللازم، فجاء التوقيت المثالى بينهما، والمثل السابق قريب من مثل آخر: «تعرف فلان؟ أيوه… عاشرته؟ لأ.. يبقى ماتعرفوش».

كلما تابعت ما يكتب ويقال عن السيسى أقول لنفسى: هل نسى المصريون أمثالهم أم تناسوها؟ فكأن هؤلاء المتحدثين يعرفون الرجل منذ نعومة أظافره، واختبروه دهرا، فى حين يمثل لى المشير صندوقا أسود، صندوق أسرار لا يملك مفتاحه إلا السيسى نفسه، ولأول مرة منذ زمن أتفق مع هيكل فى رده على لميس الحديدى حين سألته عن معرفته بالسيسى، فأجاب أنه جلس معه عدة مرات، وهى غير كافية ليدَّعِى أنه يعرفه.

حمدين صباحى يسهل تتبع خطواته وتقييم تجربته وإلى أى مدى نجح فى مشروعه الناصرى وماذا قدم للمجتمع، بسهولة يمكنك أن تعرف من هم أصدقاؤه وحواريوه ومن يجلس معه على القهوة، حياته كتاب مفتوح، فهو حاضر فى كل المناسبات، من يرد أن يرسم صورة كاملة لحمدين صباحى فسيجد له أرشيفا كاملا، وهذا يجعل تصرفاته المستقبلية من السهل توقعها، وكذلك الحال مع مرتضى منصور المشاغب الذى أعلن مؤخرا عن رغبته فى الترشح لرئاسة الجمهورية بعدما أغراه، على ما يبدو، فوزه برئاسة الزمالك.

لكن الوضع بالنسبة للسيسى المرشح الأقوى ذى القبول الجماهيرى الواسع مختلف، فصوره غير الرسمية لا تزيد على أصابع اليد الواحدة، هذا الرجل الهادئ المختفى وراء نظارته السوداء لا نعرف عنه أكثر من تاريخه الوظيفى وموقفه المساند لمطالب الجماهير فى 30 يونيو، ولكن هل هذا الموقف جديد على قيادات الجيش المصرى الوطنى؟ ألم يقف المشير طنطاوى فى وضع مماثل فى 25 يناير، حين انحاز الجيش لثورة الشعب الذى طالب برحيل مبارك؟ بل إن موقف طنطاوى كان أكثر صعوبة، نظرا لانتماء مبارك للمؤسسة العسكرية.

اختيار السيسى ليس اختيارا سهلا كما يتصور الملايين، وهو أيضا ليس اختيار الضرورة، وهى الصفة التى اخترعها هيكل وتحولت إلى شعار يتردد فى الإعلام ليل نهار، الاختيار صعب لأننا نختار من لا نعرفه، وكما قال سقراط: «تكلم حتى أراك»، وحتى الآن لم يتكلم المشير حتى نراه، نريد أن نعرف المزيد عنه كإنسان دون افتعال، كما حدث مع الصورة التى نشرت له وهو يتريض بالدراجة، فلقد زادت الأمر غموضا، وكانت رسالة غير موفقة، فلا أعرف حتى الآن هدفها.

ما نعرفه عن المشير كاف كوزير دفاع، ولكن ليس كافيا كرئيس دولة، فهو بحكم وظيفته لم ينخرط فى نشاط سياسى ولا عمل جماهيرى، ولا يمكن أن نتوقع ماذا سيكون نهجه فى حكم البلاد، وأنا لا أعول كثيرا على البرامج الانتخابية للمرشحين، فلقد اختبرناها كثيرا من قبل فى انتخابات مجلس الشعب والنقابات المهنية والنوادى، فما يذكر فى البرنامج شىء وما يحدث على أرض الواقع شىء آخر تماما.

أنا لست ضد السيسى ولا أرى على الساحة منافسا حقيقيا له، ولكن أدعو للتريث والسؤال عن العريس جيدا، فالعروسة تستحق.. دى مصر يا ولاد حلوة الحلوات.

التعليقات