كتاب 11
قميص عبدالناصر وقميص السيسى
كان وصف أنور السادات للناصريين بأنهم يرتدون قميص عبدالناصر وصفا عبقريا، ربما ينم عن غضب وضيق السادات بوجود أنصار وحواريين اعتزموا أن يحفروا اسم الزعيم فى ذاكرة الأيام، وربما ينم أيضاً عن كراهية السادات الدفينة لناصر ومشروعه الذى سار عليه السادات (بأستيكة)، وهى الكلمة التى أبدعها المصريون لتكون أكثر عبقرية من كلمة القميص، لم ينسف السادات مشروع عبدالناصر وحسب، وإنما نسف عبدالناصر نفسه، ونصب له جنازة يسير فيها هو والطبقة التى حاربها عبدالناصر.
واختزن الوجدان والضمير الجمعى للمصريين عبدالناصر ومشروعه وأغانيه وخطبه وصوره وتفاصيل حياته، وعندما وقعت الواقعة وجاءت ساعة قيامتنا خرج عبدالناصر ورفض الموت وسقطت الجنازات والقصص الرخيصة من الذاكرة، وحلت صورته فى الشوارع والميادين وغطت على كل الصور، استدعى الناس كلماته من جديد وراحوا يفسرون بها ما يحدث الآن وجاء الهتاف المدوى (عبدالناصر قالها زمان.. الإخوان مالهمش أمان).
عاد عبدالناصر الصورة والهتاف والمشروع وروح المقاومة والأمل والحلم وأشياء كثيرة ترتبط بقدرة الإنسان على تجاوز عوامل العجز والضعف واستدعاء شروط الحياة التى تتجه إلى الصح والعدل والحرية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، عاد فى لحظة ضعف وانهيار لكل من نسب نفسه إليه فى صورة منظمة، فلا حزب ولا جريدة ولا وسيلة إعلامية ولا مركز أبحاث ولا كادر سياسى ولا رمز اقتصادى إلا باستثناءات قليلة، ولا وجود حقيقى لكل من تصور أنور السادات أنهم ارتدوا قميص عبدالناصر، وخرج المصريون شبابا وكبارا ومن لم يروا عبدالناصر يحملون صوره ويهتفون باسمه، واكتشفنا أنه ومشروعه كانا أكبر من الاختزال فى حزب، وأنه ومشروعه كانا ملكا للناس على الإطلاق، وأن المصريين عادوا بعبدالناصر الآن وهم ينشدون الحرية ورغيف الخبز ومقعد الدراسة وحبة الدواء.
وفى لحظة الخطر استدعوا الجيش، واستدعوا من قلب الجيش قائده، لم يقفوا عند هرتلات العسكر وحكم العسكر، واستدعوا من وجدانهم وضميرهم ومصائرهم من ألبسوه قميص عبدالناصر، قميص ليست له علاقة بالسادات ولا بالناصريين هذه المرة، ولكنه قميص أصبح وديعة المصريين التى يتم استردادها عند الحاجة، والحاجة هذه المرة من أجل البقاء على الحياة، ومن أجل إمكانية المقاومة التى تميز الإنسان، فليس السيسى عبدالناصر الآخر، ولكنه حامل الوديعة التى أودعها المصريون لديه.