كتاب 11
ما الذي تظهره الانتخابات التركية؟
سقطت القضية السورية من أجندة الأعمال مؤقتا، وحل بدلا منها الحظر المشين الذي فرضته الحكومة على موقع «تويتر» والانتخابات المحلية، في أسبوع مزدحم بالأحداث في تركيا. وأثناء كتابة هذه السطور أصدرت محكمة تركية حكمها برفع الحظر على «تويتر».
لكن تركيا قضت جل الأسبوع الماضي تتحدث عن الانتخابات، التي أظهرت نتائجها غير الرسمية تحقيق حزب العدالة والتنمية انتصارا كاسحا بفوزه بنسبة 45 في المائة من الأصوات، وبلغت نسبة الإقبال على التصويت 89.1 في المائة، وهو ما لم يحدث من قبل.
وقد حاول كثيرون تفسير السبب وراء فوز حزب العدالة والتنمية للمرة الثانية بالانتخابات، لكني هنا لن أتعرض لأسباب فوز الحزب، بل سأتحدث عن المناطق التي مني فيها الحزب بالهزيمة، والتي يمكننا تقسيمها إلى ثلاث مناطق.
أولى هذه المناطق غرب تركيا التي تمثلها المدن الساحلية، والتي لم يتمكن مرشحو العدالة والتنمية من الفوز فيها، ناهيك بأنها لم تصوت على الإطلاق لحكومة خلال الاثنتي عشرة سنة الماضية، فما السبب في ذلك؟
تضم جغرافية تركيا ثقافات ديموغرافية مختلفة، فمفهوم الأقاليم الغربية للحرية يختلف عن نظيره في الأقاليم الشرقية. ونظرا لأن المناطق الغربية مدن ساحلية سياحية، فهي أكثر ليبرالية وأكثر قربا من الثقافة الأوروبية.
إضافة إلى ذلك، كان رد فعل المدن الساحلية تجاه الحظر مختلفا عن نظيره في المدن التركية الأخرى، فهم يفضلون الحرية في كل ما يتعلق بالترفية والأزياء ونمط الحياة، ومن ثم فإن أي محاولة للقمع تثير قلقهم أكثر أي شخص آخر.
ولم يتمكن حزب العدالة والتنمية من النفاذ إلى المدن الساحلية، لا لأنه حزب يقوم على أساس ديني، بل إن السبب في ذلك يعود إلى فشل الحزب في تقديم انطباع بأنه ليبرالي وعصري، ولا يميل إلى ممارسة الحظر. وقد اجتمع قادة حزب العدالة والتنمية بعد الانتخابات للإجابة عن السؤال: لماذا لم يصوت أبناء هذه المدن لصالح مرشحينا، رغم عدم تدخلنا في حياتهم الخاصة؟ الجواب هو أنه حتى وإن لم يكن هناك أي تدخل، فإن الانطباع العام الذي تشكل لدى هؤلاء الناس عن حزب العدالة والتنمية يخيفهم، فهم يتصورون أن الحزب تهيمن عليه عقلية محافظة وقمعية تؤيد فرض الحظر، ويعتقدون أن الحكومة تتحدث إلى قاعدة أكثر تحفظا، وليس إليهم. ورغم ترديد رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان في كل مناسبة: «كل من ترتدي الحجاب هي أختي»، فإنهم لم يشعروا بذلك عمليا.
إن الحكومة بحاجة الآن إلى سياسة ليبرالية منفتحة، تعترف بحرية وثقافة المدن الساحلية، سياسة لن تحاول إقصاءهم، وتؤكد أهمية الفن والعلوم والمرأة. يجب ألا يغيب عن أذهاننا أن الحظر والمنع أو حتى الكلمات التي ترتبط بها يفهم منها أنها قمع وتشكل مبعثا على القلق.
وفي الشرق، فاز حزب السلام والديمقراطية، المعروف بتبنيه لهويته الكردية، بغالبية أصوات جنوب شرق تركيا. حزب السلام والديمقراطية حزب ديمقراطي ومن الطبيعي أن يفوز في مختلف انتخابات رؤساء البلديات، لكن غير الطبيعي هو أن يدعم حزب العمال الكردستاني، مشكلة تركيا على مدى الأعوام الثلاثين الماضية، حزب السلام والديمقراطية، وأن يفوز الحزب في المدن التي كانت أهدافا لحزب العمال الكردستاني من قبل.
كانت نهاية الصراع في البلاد في أعقاب عملية السلام التي بدأتها الحكومة قبل عام أسعدت كل الأتراك، بيد أن حزب العمال الكردستاني غير من تكتيكاته اليوم بهدف الانفصال بجنوب شرقي تركيا عن الدولة، لا من خلال حرب عصابات، بل ببناء قلاع له في الداخل. فالضغوط التي مارسها حزب العمال الكردستاني والتقارير التي روى فيها الأفراد شهادات عن إجبارهم على التصويت علنا للحزب في هذه المناطق في الانتخابات يدل على استمرار وجود تهديد غير عادي هناك. يجب علينا أيضا أن نتذكر أنه باستثناء حزب العدالة والتنمية وحزب السلام والديمقراطية لم يتمكن حزب آخر من الذهاب إلى تلك المناطق أو القيام بمسيرات انتخابية لأسباب تتعلق بالسلامة البدنية.
يبدو أن المخطط الآن هو فصل الجنوب الشرقي عن تركيا باستخدام وسائل وأموال الحكومة التركية، وتسليم البلديات للمتعاطفين مع حزب العمال الكردستاني، من خلال إجبار السكان المحليين والمشاركة في الدعاية الشيوعية. وقد شهدت الأشهر القليلة الماضية مساعي لتعويد الشعب التركي على فكرة اللامركزية، باستخدام عبارات منمقة وحديث ضمني عن الحكم الذاتي. إنهم يحاولون التلاعب بالأفكار باستخدام مصطلحات من شأنها ألا تثير انتقادات واسعة النطاق، مثل «الحكم الذاتي الديمقراطي» و«الكانتونات». والهدف منها هو إضفاء الشرعية على حزب العمال الكردستاني تدريجيا في أعين الناس، وإشاعة انطباع بأن الحكومة في أنقرة هزمت. والهدف من ذلك على مستوى الأفراد حصول الحزب الذي يستخدم التهديد والبنادق على مزيد من الدعم، والهدف على مستوى المنطقة هو الوصول إلى نقطة الانفصال عن تركيا.
الانفصال يعني دائما السخط، لكن فكرة أن تنفصل منطقة تشكل جزءا من بلدك، لتخضع لسيطرة منظمة انفصالية، هي أمر يثير الفزع. لقد عانى الشعب الكردي من سياسات الاستيعاب التي فرضتها النخبة المتغطرسة المعروفة باسم «الأتراك البيض»، ثم اضطروا إلى مواجهة آفة الإرهاب. ولقد كشفت خريطة الانتخابات بشكل واضح عن نيات حزب العمال الكردستاني، وهذا هو الخطر الأكبر الذي تواجهه تركيا الآن.