كتاب 11

01:15 مساءً EET

العولمة والربيع والشباب و(النوستالجيا)!

عندما نتامل بشئ من التجريد ونشرع في التوصيف والتحليل الدقيق الاستقرائي لظاهرة الثورات العربية المتتالية –ثورات الشعوب علي انظمتها العتيقة المتهالكة –التي لم تستطع الوقوف او الصمود امام مجتمع الحداثة الجديد بمفهومه العولمي,ندرك علي الفور العلاقة المباشرة بين المد العولمي الهادر وبين هبة الشعوب العربية للتواصل مع العالم الحديث من منظور ثوري .ان الشعوب العربية خاصة شريحة الشباب –هذة الشريحة الطليعية التي تتسم بالكم النسبي الحاسم,والدافع الفطري الرادع لتحقيق الامال والطموحات هذه الشريحة  التي لم تجد واقعا يحقق النذر اليسير من طموحاتها والتي تتسم بالقدرة علي الحركة السريعة ،والفعل الجسدي ،والتقلب الانفعالي، والفعل الديناميكي المنسق ،الذي لا يخلو من تمرد علي الذات والسعي الي ايجاد مكان تحت الشمس .

هذا الشباب الذي تفنن في استخدام وسائل الاتصال الحديثة باقمارها الصناعية وقنواتها الفضائية –التي لا تخلو من تحريض-وهواتف نقالة تختصر الزمان والمكان ,وشبكة عنكبوتية تستخدم جبروتها الخاص والحاسم في نقل المعارف والصور الذهنية عابرة القارات الي دول تعاني شعوبها من قهر نظم سلطوية تعاني من الشيخوخة والترهل وافتقدت بمرور الزمن صواب الرؤية بل وفلسفة الحكم الصالح الذي يصوب نفسة تلقائيا .اضافة الي اوضاع اقتصادية صعبة وطويلة الامد دون وجود سياسات صحيحة تعالج الخلل او قرارت جريئة وحاسمة في الوقت السليم.ان الشعوب العربية التي كانت توصف بالسلبية استفاقت فجاة وتشجعت وتحررت من الخوف والخضوع المزمن بفعل هؤلاء الشباب الذي وجد طريقة خلسة الي الاتصال بالشعوب الاخري في كل دول العالم المتحضر واخذ يقارن بين حياته البائسة وحياة الاخرين بكل اجزائها .لقد بدا التمرد وبدا وبدانا نسمع عن ظاهرة الهجرة غير الشرعية عبر القوارب المتهالكة بحثا عن حلم لا يجد متنفسا في بلاد ضاقت بنظمها البالية عن الاستيعاب.

في السابق لم تكن الشعوب قادرة علي المقارنة ,لم تكن هناك هذة الوسائل المتقدمة في زمن العولمة .كانت الشعوب راضية مرضية تعيش في ثبات عميق تتنفس ما يسمح بة النظام الحاكم من معرفة –وعلم- وثقافة-واعلام- كانت الرقابة علي كل شئ .اما الان فان الرقابة لم تعد قائمة او قادرة علي فعل اي شئ –انة عصر السموات المفتوحة –عصر –انسياب الافكار من مكان لاخر دون حدود اوقيود –مثل. فيروس عابر للقارات والمحيطات

لقد فقدت الاسرة المصرية والعربية قدرتها علي التحجيم والتقليص والتحصين والسيطرة  لابنائها بالمعني التقليدي، لقد فقدت قدرتها المحورية علي الرقابة والتصويب ،فالتسونامي المعلوماتي الهادر ياتي من كل حدب وصوب يمنة ويسرة بكم وكيف والحاح لايصدق ولا يستوعب ولا يمكن التصدي لة –افكار وقيم ومنظومات عقائدية وفلسفية بها الصالح والطالح دون رقيب اوحسيب الا الفرد وذاتة المحصنة بفعل الدين والاخلاق والقيم الاسرية المتوارثة والتقاليد المحافظة –كلها تمثل صماما يفند كل هذا السيل الجارف الذي يمكن ان يغسل العقول او يقتلها او علي العكس يدفعها الي العوالم الفسيحة

النظرة التي سادت في اول اشراق للربيع العربي- منذ ثلاث سنوات- كانت كسر القيد و التحرر والانطلاق الي السباق العولمي والاندماج مع العالم الحديث و ان الفجوة والهوة الكبيرة بيننا وبين شعوب العالم الاول سوف تتحطم وتضيق رويدا رويدا وبسرعة لا يتصورها احد –وان القيد قد كسر،واصبح لدينا اجيال شبابية قادرة علي اسقاط النظم التي لا تلبي طموحات الشعوب – عيش- حرية- عدالة- ثورة ثم ثورة –امل طموح بهجة ….اماالان فالكل ينظر بشغف ويتسائل بقلق وربما بتشاؤم  عن المصير والشكل الذي سوف تتسق فية هذة الثورات او ما سمي بالربيع العربي خاصة وان الفجوة قد زادت اتساعا بين الشباب –وهم القوة الطليعية في اي مجتمع –وبين عموم الشعوب التي وجدت نفسها فريسة سهلة للمتطرفين والارهابيين وسارقي الاحلام اضافة الي وقوع الشعوب في براثن –النوستالجيا- او الحنين الي الماضي الذي يراة الكثيرون اكثر امانا واستقرارا .ان البعض من الكتاب العالميين في الصحف الغربية بدا يتشكك مع طول فترة المخاض الثوري العربي عن مصير هذة الثورات التي وصفت بالربيع العربي سابقا –ونحت لها مسمي جديد وهو الصيف الساخن ثم بعد ذلك الشتاء القارس –يبدو ان المسالة مرشحة لوقت اطول -.ان نظما عربية بعينها قد اكتسبت مناعة من ثورات مصر وتونس وليبيا  وبدات في استحداث وسائل جديدة للالتفاف حول هذة الثورات – والمثل في ذلك الثورة السورية المتحجرة او اليتيمة والتي تحولت من مظاهرات سلمية الي اشلاء جثث متناثرة ومقعد للمعارضة يبحث عن شرعية في قمة عربية بائسة! واخيرا وجدت هذه الثورات التي كانت تنادي بشعارات الحرية والعدالة والكرامة كم رهيب من المتربصين والمتربحين والمتاجرين فهناك من استغلها وهناك من ركبها وهناك من غير مسارها ثم هناك من وجهها لخدمة اهدافة ناهيك عن القوي الخارجية المتآمرة التي وجدت الفرصة امامها سانحة لتنفيذ  مخططات التفتيت وصولا الي ثروات هذه المنطقة الغنية ثم ضمان امن اسرائيل .

ان العالم الحر بوسائلة الحديثة لا يجد الان مناصا من استيعاب الشعوب العربية وصهرها في المنظومة العالمية الجديدة بقيمها القائمة علي الحرية والعدل والمساواة وحقوق الانسان –ولسوء الحظ فان العولمة بجوانبها االسلبية قد سيطرت الآن علي الموقف في العالم العربي-وهذا لسوء الحظ( حتي الان)!

التعليقات