كتاب 11
أحداث أسوان دليل على غياب الدولة فى الصعيد
الإشتباكات القبلية فى صعيد مصر معروفة منذ قديم الأزل , ومشكلة الأخذ بالثأر أيضا معروفة , ولم تستطع الحكومات المصرية المتتالية أن تضع حلولاً مناسبة للحد منها الى وقتنا هذا , كذلك من الأمور المعروفة والمسلَم بها حتى بالنسبة للجهات الأمنية هو أن تلك القبائل تمتلك من الأسلحة النارية والذخائر ماتمكنها من الدخول فى حروبٍ عنيفة قد تكون نتائجها كارثية , ومع ذلك لم تضع الحكومة والأجهزة الأمنية فى البلاد قيودا للسيطرة على تفشى ظاهرة إنتشار إمتلاك تلك الأسلحة وتهريبها عبر الحدود
وهو أمر غير خافِ على أحد رغم أنه واضحاً وضوح الشمس ويتم تناوله فى المسلسلات المصرية بكل تفاصيله , ومن حين الى أخر ترد الينا أخبار عبر وسائل الإعلام المختلفة عن قضية ثأر جديدة يذهب ضحيتها أحد أبناء الصعيد , ولايتم الوصول الى الجانى حتى يستمر نهر الدم سائلاً يبحث عن الإنتقام الذى يدور فى حلقات لانهاية له , يحصد عبر تلك الأحقاد والضغينة العديد من الأرواح البريئة التى لاذنب لها مطلقاً سوى أنها تنتسب الى أحد الأسر أو القبائل المتنازعة
ولكن عادةً ما يكون الأخذ بالثأر رأساً أمام رأساً , أو قتيلاً أمام قتيلاً , ولايتم القتل بالجملة وبهذا العنف الذى حدث فى الإشتباكات التى دارت بين قبيلة النوبيين وقبيلة بنى هلال فى أسوان جنوب مصر مما يجعلنا نتسائل ,,, ما الذى حدث وأدى الى إشتعال تلك الأزمة وإتساع دائرتها وحصدها لعدد كبير من القتلى والجرحى ؟؟؟ ومن خلال تناول وسائل الإعلام المختلفة لهذا الأمر كانت إجاباتها عن هذا السؤال تنحصر فى ثلاثة أسباب أولهم … هو أن المشكلة كانت تمس العرض حيث أن سببها الرئيسى كان مجرد خناقة بعد معاكسة فتاة ,,, والسبب الأخر هو إرجاعها الى فتنة أشعلتها جماعة الإخوان الإرهابية وإستخدامها الى فن الجرافيتى بالكتابة على أسوار المدرسة فى الداخل والخارج وتوجيه أصابع الإتهام الى أحد المعلمين المنتميين الى الجماعة بالكتابة على الجدران والإساءة اللفظية الى طرفى النزاع
والسبب الثالث كان الإشارة الى المؤامرة الدولية التى تهدف الى تقسيـــم مصر ,,, والى الأن لم تتضح الأسباب الحقيقة وراء هذا النزاع وكل هذه التحليلات الفضائية مجرد إجتهادات من أصحابها ليس لها أى إثباتات حقيقة . ولكن الثابت والمعروف والذى يمكن الإستدلال به حاليا هو أن الصراع بين القبيلتين متجذر وله رواسب تاريخية يصعب تجاهلها ، فالنوبيون ينظرون إلى بني هلال باستعلاء، ويرونهم دُخلاء، ويعتبرون أنهم أصحاب الأرض والسكان الأصليين.
أما بنو هلال فيعتبرون النوبيين أقلية لا يجب أن يقاسموهم خير أراضيهم، ومنذ زمن بعيد والوضع على ماهو عليه فلم يحدث أن تزوج أحد من الآخر أو حتى شاركه في عمل أو تجارة، وسيستمر الصراع رغم محاولات الصلح ؛ فعقيدة الثأر راسخة ، والقبيلتان لديهما ثقافة ثأر وتراث من الإقصاء للآخر ودم يتعذر أن تنهيه جلسات صلح …. ولكن مازال السؤال بدون إجابة ,,, مالذى جعل الأحداث تصل الى هذه الدرجة من العنف ؟؟؟
ربما تكون الجماعة الإرهابية ليس لها يد فى بدء هذا النزاع , ولكنها بالتأكيد قد إستغلته أحسن إستغلال لتحقيق أغراضها فى زعزعة الأمن والإستقرار للبلاد , خاصة ونحن على مشارف الدخول فى معركة الإنتخابات الرئاسية , حيث إستغلوا تكاسل القوات الأمنية بالمحافظة فى التدخل والتعامل مع هذا النزاع وإنهاءه قبل ان يتفاقهم ويسفر عن قتلى وجرحى , ووجهوا ضرباتهم القوية عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الإجتماعى والتى تمثلت فى عبارات السب والقذف والتحريض ضد قوات الجيش والشرطة , ووصف الحكومة بالضعيفة , والمساعدة فى نشر صور الجثث , ونشر معلومات مضللة عن عدد القتلى والجرحى فى الأحداث
وكأنهم يسكبون البنزين على النار , فتشتعل الأحداث أكثر فأكثر حتى يصعب السيطرة عليها , وتكون الحرب الأهلية بين القبيلتين التى قد تنتهى بتصفيتهم , وقد تنتقل تلك الخلافات لتصل الى محافظات أخرى بنفس الطريقة لندخل فى سلسال دم لاينتهى …. وهنا ندق ناقوس الخطر ليكون إنذاراً قويا للدولة يؤكد على ضرورة تواجدها بقوة فى مدن وقرى الصعيد بعدما تم إهماله وتجاهله من قبل حكومات السادات ومبارك .