كتاب 11

08:51 صباحًا EET

تتوالد الأجيال الجديدة وتتكاثر

مشكلات الملايين من البؤساء والبائسات تضيع فى الصخب الإعلامى والسياسى حول مقاعد الحكم ومنابع الثروة، وكم تراق الدماء ويذوق الهوان أطفال وأمهات، كم بحت الأصوات تطلب العدل للأبرياء والآذان صماء والعدالة عمياء، تضخمت المشكلة وأصبح فى مصر أربعة ملايين إنسان، يولدون ويتناسلون ويموتون فى الشوارع. تبدأ المشكلة برجل يغتصب طفلة فقيرة فى الشارع أو خادمة ريفية فى البيت. ٩٤٪ من خادمات البيوت يتعرضن للتحرش، وحين تحمل البنت بالجنين تطردها سيدة البيت حماية لسمعة العائلة الكريمة. تكمن جذور المشكلة فى القانون الطبقى الأبوى الذى يبرئ الجانى «الأب» صاحب الشرف والسلطة المطلقة، فإن أنكر الأب جريمته يصبح الطفل غير شرعى وأمه ساقطة.

مشكلة أطفال الشوارع قديمة، منذ نشوء النظام العبودى فى التاريخ، لكنها تفاقمت فى هذا القرن الواحد والعشرين، مع تفاقم الفقر، ما جعل الحكومة المصرية تصدر قانون الطفل الجديد رقم ١٢٦ لسنة ٢٠٠٨. تنص (المادة ١٥) على حق كل طفل فى أن يكون له اسم يسجل عند الميلاد، ومن حق الطفل (بدون أب) أن يحمل اسم أمه وتستخرج له شهادة ميلاد، وكان الطفل يُحرم (قبل ذلك) من شهادة الميلاد، وبالتالى يحرم من التعليم والحقوق الأخرى، لكن القانون الجديد لا يطبّق، وكأنما لم يكن، وتعجز الأمهات الصغيرات من بنات الشوارع عن تسجيل أطفالهن، فالأمر يحتاج إلى محامٍ يذهب معها ومعه إخطار الولادة، وهل يمكن لطفلة الشارع المعدمة أن تستأجر محامياً؟

قانون الطفل الجديد ينص على أن للأم الحق فى الإبلاغ عن وليدها وقيده فى سجل المواليد واستخراج شهادة ميلاد مدون بها اسمها، لكن أمهات الشوارع يلدن فى الشارع، فكيف يحصلن على إخطار للولادة، والأم نفسها لا تملك أى ورقة تثبت وجودها فى الحياة؟

وكان القانون القديم يبيح للطفل (بدون أب) أن يسجَّل باسم أمه لكنه يعتبر «لقيطاً»، واللقطاء يُحرمون من أهم حقوق الإنسان أولها الشرف والكرامة.

ولا تزال الأجهزة الحكومية تقاوم تنفيذ القانون الجديد رغم مرور ستة أعوام على صدوره، وزارة الصحة مثلاً تعمل حتى اليوم بالقانون القديم الذى لا يسمح بقيد الطفل إلا بواسطة الأب أو رجل من أقاربه، ولا يسمح للأم بالإبلاغ عن الولادة إلا إذا كانت معها وثيقة الزواج، وإذا لم تكن معها الوثيقة فيجب أن تبحث عن الأب (الهارب) وتقنعه بعمل إخطار الولادة ويتم نسب الطفل إليه.. الأم المصرية (وحدها) لا قيمة لها فى القانون والواقع، إلا فى الأغانى والاحتفالات.

تتفاقم مشكلة أطفال الشوارع مع انتشار التحرش بالبنات وتزايد اغتصاب الأطفال وإباحة الاقتران بالقاصرات، وانتعاش سوق الزواج المؤقت فى الصيف والإجازات، هذه الآفات الاجتماعية الاقتصادية الناتجة عن الآفات الثقافية الأخلاقية. تعجز الحكومات المصرية المتعاقبة عن حل المشكلة المتفاقمة، بسبب النفاق السياسى للتيارات الدينية السلفية المتصاعدة منذ سبعينيات القرن الماضى.

تتعرض الخادمة الصغيرة فى البيت، والطفلة الفقيرة فى الشارع للاغتصاب عدة مرات من عدد من الرجال، لا تكاد تعرف الأب، وبالتالى لا يمكنها استخراج شهادة ميلاد لطفلها. قد تساعدها جمعية أهلية فى قيد الطفل باسمها ليصبح لقيطاً، وإن عرفت الأم الصغيرة اسم الأب وساعدتها الجمعية لرفع دعوى لنسب المولود لأبيه، فإن القضية تنتهى بعد دوخان السنين فى المحاكم، دون نتيجة، فالقانون المصرى لا يلزم الأب بإجراء تحليل الحامض النووى.. يتعاون القانون الأبوى مع الأب لطمس الجريمة.

فقط الأقلية من أمهات الشوارع يحصلن على جهود الجمعيات، غير المجدية أيضاً، أما الأغلبية فيودعن السجون فى عنابر التسول والدعارة، ويودع أطفالهن تحت اسم لقطاء فى الملاجئ (الأسوأ من السجون) أما المحظوطات فلا أمل لهن إلا فى الشوارع حيث تتوالد الأجيال الجديدة وتتكاثر.

التعليقات