كتاب 11
الثورة والإرهاب
بالنسبة للحركات «الثورية» فإن ثورة 25 يناير فشلت في تحقيق أهدافها إذ لم يحكم الثوار، وبالنسبة لـ «الإخوان» فإن الثورة جرى الانقضاض عليها إذ بعدما حكم مصر «رئيس ثوري» ينتمي إلى جماعة ثورية تم عزله والانقلاب عليه
وبالنسبة الى معارضي ثورة 25 يناير والذين أضيروا منها فإن الثورة فشلت لأنها بالأساس ليست ثورة وإنما مؤامرة شاركت فيها جهات عدة داخلية وخارجية، وبالنسبة الى جموع الشعب المصري غير المهتمين بالسياسة أصلاً والباحثين عن لقمة العيش والحياة الكريمة الذين تصوروا أن الثورة ستأتي لهم بمستقبل أفضل فيعتقدون أنهم يدفعون ثمن أطماع الآخرين، ويعانون الآن سوء الأوضاع من كل النواحي، وبعدما كانوا يأملون بتحسين أوضاعهم صار أكثر ما يأملون به مجرد العيش في أمان، وحتى الإرهاب الذي ارتاحوا منه في السنوات الأخيرة من حكم مبارك رفض أن يتركهم على أحوالهم فزاد من معاناتهم. وبالنظر إلى أحوال الدول التي مر عليها الربيع العربي يظهر مدى الارتباط الوثيق بين الثورة والإرهاب!
ويخطئ من يعتقد أن معركة أي دولة مع الإرهاب قصيرة، أو يمكن أن تنتهي سريعاً، تماماً كما يخطئ الإرهابيون أنفسهم إذا اعتقدوا أن في إمكانهم تغيير نظام عبر التفجيرات، أو الاغتيالات، أو إسقاط دولة من طريق تصفية قادتها أو شعبها! مرة أخرى علينا التأكيد أن المعركة مع التنظيمات الإسلامية الراديكالية في مصر ستمتد لسنوات، إذ إن البيئة الحاضنة للعنف باسم الدين ما زالت منتعشة، وستظل فترة طويلة كذلك إلى أن تتغير، فيحل التحضر محل التخلف، والرقي محل الجمود، والعلم محل الجهل، والتطور محل الجمود، والعمل محل البطالة، والتدين محل المتاجرة بالدين. من الواضح أيضاً أن أجهزة الأمن المصرية تعاني بشدة جراء ضرب بنيتها التحتية والمعلوماتية بفعل تداعيات ثورة 25 يناير، ليس فقط كنتيجة لاقتحام مقرات جهاز أمن الدولة، ونهب الوثائق والأوراق منها، أو نتيجة لضرب الجهاز نفسه بتصفية قادته وعناصره وأصحاب الخبرات فيه وإنما أيضاً بفعل سنة كاملة حكم «الإخوان» فيها مصر، كان ظهيرهم السياسي فيها جماعات أصولية راديكالية بمسميات مختلفة فرضت أثناءها ظروفاً جعلت الانضمام إلى جماعة إسلامية وسيلة للحصول على مزايا مادية ومعنوية. وجاء عزل مرسي ورحيل «الإخوان» عن مراكز النفوذ ليربك الحسابات، ويجعل تحالف «الإخوان» مع تلك التنظيمات والجماعات أكثر صلابة، إذ فقدوا جميعاً أحلامهم، وباتوا على قناعة بأنهم لن يعودوا إلا إذا عاشت مصر كابوسهم لفترة طويلة.
يجب على الدولة المصرية الآن أن تعيد النظر في خريطة الخطورة، إذ تحولت بعض التنظيمات من العمل العلني إلى السري، ومن السلمي إلى العنف، ومن تأييد نظام الحكم إلى معارضته ومقاومته و «الجهاد» ضده، كما اختلطت أيضاً نوعية عمليات الإرهاب وتنوعت، ولم تعد تقتصر فقط على استهداف منشآت الدولة، أو رموز النظام، وإنما صار حرق منزل لأن صاحبه وضع صورة للسيسي هدفاً، والاعتداء على محل تجاري رفع لافتة ضد مرسي طموحاً، وأصبح تحرك الجموع معاً لإضرام النار في سيارات الشرطة أو المواطنين، أو تكسير قاعات الجامعات، أو هدم مقر للنيابة أو مصلحة حكومية عملاً يكاد يكون شبه يومي، وبات استهداف الإعلاميين والسياسيين الذين يعتقد الإسلاميون أنهم لعبوا أدواراً في الإطاحة بمرسي مسألة طبيعية!
تحتاج المعالجة إلى تغيير نوعي لمواجهة الإرهاب والعنف، وكذلك أجهزة وتقنيات عالية ومتطورة، والأهم حرمان منظمات الإرهاب وجماعات العنف من ظهيرها ومخزونها البشري وذلك بتفادي خلق أسباب للغضب بين فئات في المجتمع سواء طلبة الجامعات أو العمال أو الموظفين أو المتعطلين من العمل.
يراهن «الإخوان» على أن عنصر الوقت لمصلحتهم رغم أن كل التداعيات أثبتت أن هذا ليس صحيحاً، ويعتقدون أن الشعب سينضم إليهم رغم أن غضب الناس منهم يزيد يوماً بعد آخر، ويعتقدون أن الأطراف الإقليمية ستساندهم إلى الأبد وهذا محال، إذ في السياسة تتبدل المواقف بحسب المصالح، وكل ما يحدث في مصر يشير إلى أن «الإخوان» تلقوا هزيمة كبرى، ويصرون الآن على أن يهزموا كل يوم!
عموماً قد تكون الثورة المصرية فشلت لأسباب عدة أهمها ذلك التكالب والصراع والتنافس على الفوز بها من دون النظر إلى مصالح الناس ومطالب الشعب. والمؤكد أن الهدف لم يكن حصول مصر على شهادة من العالم بحدوث ثورة فيها وإنما تحقيق الشعارات والأهداف التي انطلقت من أجلها الثورة، وقد يرى بعض «الثوريين» أو «الإخوان» أن الثورة مستمرة حتى تنجح. وربما هؤلاء يرون أنها نجحت بالفعل لكن في دول أخرى كاليمن وليبيا وسورية.