كتاب 11
عبدالناصر.. وسعاد!
قرأت مقالين على صفحة كاملة، فى «المصرى اليوم»، صباح الأربعاء الماضى، أحدهما لشمس بدران، وزير الحربية أثناء حرب 1967، وثانيهما لسامى شرف، مدير مكتب عبدالناصر لشؤون المعلومات.
وكانت الفكرة فى المقالين واحدة، وهى: هل شاهد عبدالناصر أشرطة مُسجلة لسعاد حسنى أم لم يشاهد؟! كان «شمس» يؤكدها ويؤيدها بقوة، وكان «شرف» ينفيها تماماً!
وحين انتهيت من قراءتهما سألت نفسى، ولابد أن غيرى قد سأل نفسه السؤال ذاته: هل يليق بنا أن نكون مشغولين فى عام 2014 بما إذا كان عبدالناصر قد شاهد أشرطة من هذا النوع أم لا؟! هل هذا هو كل ما يهمنا فى الموضوع، وهل هذا هو كل ما بقى من عبدالناصر، هل ينفعنا فى شىء ألا يكون عبدالناصر قد شاهد تلك الأشرطة؟! وهل يضيرنا فى شىء أن يكون قد شاهدها؟! إنها مسألة شخصية مجردة، ولا يجوز أن ننشغل بها دقيقة واحدة من وقتنا، ولابد أن الانشغال بها أقرب ما يكون إلى أن ننشغل بما كان الرجل يحبه من أطعمة على مائدته فى إفطاره، وغدائه، وعشائه.. وهى أمور كما ترى لا تعنينا، ولا يجب أن تعنينا، لأنها تخصه فى حياته الضيقة، ولا تخصنا فى شىء أبداً.
إننا مقبلون على انتخابات رئاسية، الشهر القادم، ونعرف جميعاً أن المشير السيسى يخوضها، وأنه الأقرب إلى الفوز، وأن هناك، منذ فترة، مَنْ يريده أن يكون عبدالناصر من جديد بيننا، ولذلك فإننى حين لمحت الإشارة إلى المقالين فى الصفحة الأولى، توقعت شيئاً مختلفاً تماماً عما وجدته، وعما وجده كل الذين طالعوا المقالين معاً!
توقعت أن يقول لنا شمس بدران، وكذلك سامى شرف إن 44 عاماً قد مرت على رحيل عبدالناصر، وإن هذه ربما تكون فترة كافية لتقييم التجربة على بعضها، فيقول لنا كل واحد منهما بأمانة سوف يحاسبه الله تعالى عليها إن هذا هو ما أصاب فيه ناصر، وإن هذا هو ما أخطأ فيه فى شؤوننا العامة، وليس فى علاقته بسعاد حسنى!
كلاهما يعرف، ويرى أن هناك مَنْ يريد أن يدفع بالمشير دفعاً إلى طريق عبدالناصر، ولذلك فقد كان الأمل، وربما لايزال، أن يقولا لنا شيئاً مفيداً عن تجربة حكم عبدالناصر فى زمنه، وأن نعرف منهما بالذات ما إذا كان الرئيس الراحل قد أخطأ أم أصاب عندما أغلق خليج العقبة – مثلاً – بما أدى إلى وقوع كارثة 67؟! كنا، ولانزال، نريد أن نعرف منهما دون غيرهما ما إذا كان عبدالناصر قد آمن بالديمقراطية، كفكرة، أم لم يؤمن بها أصلاً، فإذا كان قد آمن بها فلماذا لم يبدأ فى تطبيقها، وإذا لم يكن قد آمن بها فلماذا بالضبط، ثم ما عواقب إيمانه فى الحالتين؟!
كنا، ولانزال، نريد أن نعرف منهما كيف كانت فكرته عن العدالة الاجتماعية، وكيف طبقها فى حينه، وهل كان تطبيقه لها صواباً على طول الخط، أم أن أخطاء قد شابت التطبيق، وأن على مَنْ ينادى بالفكرة ذاتها الآن، أن يتفادى تلك الأخطاء؟!
كنا، ولانزال، نريد أن نعرف منهما دون سواهما كيف نجح هو فى خطته الخمسية الأولى للتنمية، ولماذا لم يتكرر نجاحه فيها، وهل يمكن أن نستفيد حالياً من نجاحه ذاك، وكيف، أم أن الظرف اختلف؟!
كنا، ولانزال، نريد منهما رسالة صادقة إلى المشير، تقول له بوضوح كامل، إنه إذا فاز فإن عليه أن يأخذ الشىء الفلانى تحديداً من تجربة عبدالناصر، وأن يترك كل ما عداه، فلا يلتفت إليه، لأن زمانه مضى، ولأن أيامه انقضت!
هذا، وغيره مما يشبهه، هو ما نريده، بل هو ما نحتاجه، أما علاقته بسعاد حسنى، وأما حياته الخاصة، فالخوض فيها مجرد لغو لن يفيدنا فى شىء، فضلاً عن أنه يُبدد وقتنا فيما لا جدوى من ورائه، وفيما لا عائد لنا فيه!