كتاب 11

10:01 صباحًا EET

تعليمات سيادتك

كم مرة رددت هذا العبارة فى حياتك المهنية والعامة والشخصية بتنويعات مختلفة، الطاعة وتنفيذ الأوامر تبدأ معنا مبكرا، كما حدث مع محمد، فالوالد فرض عليه أن يحول من القسم الأدبى بتاع العيال الفشلة ليلتحق بالقسم العلمى طمعا فى أن يكون ابنه طبيبا أو مهندسا، ولكن محمد لم يحقق حلم والده فى المجموع الكبير، وبالكاد حصل على 60%

وكان البديل الصعود إلى القمة، فقدم فى الكليات العسكرية وكلية الشرطة، ورغم أن محمد يعانى من عيب فى الأذن يجعله غير لائق طبيا، تم قبوله فى كلية الشرطة بفضل وساطة عمه، من اللحظة الأولى التى انتمى فيها محمد للشرطة وحتى تقديم استقالته قبل اندلاع أحداث محمد محمود بساعات، شعر بالغربة وكأنه البطة القبيحة فى قصة هانز أندرسون، والتى تحكى عن أوزة عاشت مع البط ظنا منها أنها بطة مختلفة وقبيحة، وعندما أدركت الحقيقة قررت هجر البط والانضمام لجنسها الذى تشبهه ويشبهها.

يروى لنا محمد حسنى أبوالعز فى قصته «تعليمات سيادتك» على لسان بطلها الرائد محمد محمود، ما كان يحدث فى أروقة إمبراطورية حبيب العدلى، تفاصيل صغيرة، ربما لايذكرها أحد فى منظومة فساد الداخلية، ولكن تلك التفاصيل هى التى صنعت الحبل الذى التف حول رقبة الداخلية وخنقها بعد ثورة 25 يناير، فهذا العملاق الضخم المرعب، لم يكن سوى خيال مآتة لايعرف أفراده عن منظومة الأمن سوى سرعة الأخطار وتنفيذ الأوامر، رغم مايشوب تلك الأخيرة من فساد وتلاعب بالشعب الغلبان كما يحدث فى الكمائن المنصوبة على الطرق وإدارات المرور وأقسام الشرطة.

فالقسم الذى يتلوه الطالب فى حفل التخرج: «أقسم بالله العظيم أن أحافظ على النظام الجمهورى، وأن أحترم الدستور والقانون وأرعى سلامة الوطن وأن أؤدى واجبى بالذمة والإخلاص» يدرك الجميع أنه لابد أن يحنث به، فالدستور والقانون والذمة والإخلاص كلها ألفاظ لامكان لها فى الواقع اليومى لضابط البوليس. ويعترف بطل الرواية الرائد محمد أنه أثناء عمله فى المباحث لم يكن مطالبا بالتصرف وفقا للقانون، الذى لايتذكره ضابط الشرطة بعد تخرجه، ولكن مطالب بالاتصال التليفونى برئيسه الذى قد يتصل هو الآخر برئيسه حتى يصل الأمر للوزبر وتأتى التعليمات بأمر من اتنين «احبسه.. أو سيبه» فأهم حاجة فى شغل الداخلية سرعة الإخطار وليس سرعة التصرف.

ينتهى محمد إلى حقيقتين هامتين نغفلهما وخاصة الإعلام، عن عمد أو جهل، الأولى حين نهاجم الداخلية وتصرفاتها البعيدة عن القانون مدافعين عن النظام مطالبين إياه بالتدخل وإنصاف الشعب، غير مدركين أن الداخلية ليست سوى ذراع النظام التى لاتتحرك من تلقاء نفسها بل تطبق سياسته، والثانية أن الشعوب تحكم بالخوف أو بالقانون، والخوف زال من قلب الشعب المصرى بعد الثورة ولم يبق أمامنا إلا خيار وحيد وهو القانون، ولو طبقته الداخلية بلا استثناء فستنجح فى عملها وهو أمن المواطن ونجدته.

«تعليمات سيادتك» عبارة نكررها بأدب (الجرسونات) منتظرين رضا سيادته وبقشيشه، ولكن نصيحتى لك ولى، علينا ألا نقع فى غواية العميان الجهلة على حد قول الشاعر والفيلسوف جبران خليل جبران: «ما أجهل من يعطيك من جيبه ليأخذ من قلبك».

التعليقات