كتاب 11

10:02 صباحًا EET

هكذا صلى الرجل بالناس

ذهبت أصلى الجمعة قبل الماضية فى واحد من مساجد مدينة الكويت، وكان خطيب المسجد شيخاً مصرياً، ولكن، ما أبعد المسافة بين ما قاله هناك، شكلاً ومضموناً، وما يقوله أغلب زملائه على منابرنا هنا، فى كل يوم جمعة!

لاحظت أن الرجل قد ضغط على مفتاح التشغيل فى جهاز تسجيل أمامه، عند بدء خطبته، وأنه أوقف الجهاز عن العمل عند نهاية الخطبة، ولم أفهم الحكاية فى الحالتين، حتى سألت، فعرفت أن شريطاً مسجلاً بالخطبة يذهب إلى الجهة المعنية، كل أسبوع، لتتأكد من أن الخطيب لم يتجاوز الوقت المحدد للخطبة وهو 20 دقيقة لا تزيد ثانية واحدة!

وحين نظرت إلى ساعتى، تبين لى أنه التزم بالوقت تماماً، وأنه لم يأخذ المصلين رهائن بين يديه، لساعة، أو لأكثر، كما يفعل خطباؤنا فى غالبيتهم فى مساجدنا!

والغريب حقاً، أن كل واحد من هؤلاء الذين يطيلون على المصلين، إلى حدود لا تطاق، يحفظ تماماً الحديث الذى قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام، ما معناه أن أحداً منا إذا صلى بالناس، فإن عليه أن يخفف، لأن فيهم المريض، ولأن فيهم ذا الحاجة!

يحفظ كل خطيب، الحديث الشريف، ثم يتصرف على نقيضه، على طول الخط!

هذا عن الشكل.. أما عن المضمون فقد بدأ خطيب مسجد الكويت كلامه بأن قال إن رجلاً ذهب يوماً يسأل الرسول الكريم عن أكمل المؤمنين إيماناً، فكان رد رسولنا أنه أحسنهم خلقاً!

أفاض الخطيب بالطبع، فى أن الرسول عليه الصلاة والسلام، لم يذكر أن أكمل المؤمنين إيماناً، هو الذى يصلى أكثر، ولا هو الذى يصوم عدداً أكبر من الأيام، ولا هو الذى يكرر الحج فى كل عام، ولا هو الذى يعتمر مائة مرة ثم يتباهى بذلك بين المسلمين، ولا هو.. ولا هو.. وإنما المؤمن الذى لا ينقص إيمانه شيئاً، فى نظر رسول الإسلام، هو تحديداً المؤمن الذى يتفوق على سائر أقرانه، فى حسن أخلاقه مع الناس!

لا ينفصل عن هذا قطعاً، ما نعرفه، من أن رجلاً آخر كان قد ذهب يسأل الرسول يوماً، عن موعد يوم القيامة، فبادره الرسول بسؤال من ناحيته، وقال: ماذا أعددت لها؟! فقال الرجل: والله يا رسول الله ما أعددت لها كثير صيام أو صلاة، ولكنى أحب الله، وأحب رسوله.

رد الرسول الكريم بأن قال: المرء مع مَنْ أحب!

نحن، إذن، أمام خطيب جامع، يعرف قبل أن يصعد المنبر، أن فى الذين أمامه من المصلين، مرضى، وأن فيهم أشخاصاً أصحاب حاجة، وأن عليه وفق نصيحة رسول الله، أن يخفف عليهم، وأن يقول فيهم مختصر الكلام، ففعل! ونحن، مرة ثانية، أمام خطيب مسجد يعرف أن الناس فى حاجة هذه الأيام، إلى من يعظهم فى مكارم الأخلاق، وفى مقاصد ديننا العليا، ولذلك جاء بالحديث الذى يخدم هذا الغرض، ويؤدى هذا المعنى، ويصل بهذه «الرسالة» إلى كل بنى آدم، ولم يشأ أن يذهب بالمصلين إلى متاهة أمور السياسة، لأن مكانها ليس فى الجامع، ولا على المنبر!

غير أن ما يجب أن نلتفت إليه، أنه لم يتصرف هكذا تطوعاً، وإنما ألزمته الدولة هناك، بما سوف يكون عليه أن يتصرف به، قبل أن يرتقى منبره، فلم يخالف، لأنه يعرف مقدماً، أن للمخالف عقاباً لا هزار فيه! وقد سمعت مرة خطيباً فى أحد مساجد الدقى، يدعو على إخوة لنا فى الوطن يدينون بدين آخر، فقلت فى نفسى إن الخطأ ليس خطأه، بقدر ما هو خطأ الدولة التى يعرف مسؤولوها المعنيون أنه بهذا الفكر الملوث، ومع ذلك تساهلوا وتركوه يصعد منبراً لا يليق ولا يجوز أن يقف عليه!

التعليقات