كتاب 11

08:20 صباحًا EET

الوقوع فى حب المشكلة

أفكر فى أننا نقف أمام المشكلة وجها لوجه، ولا نفكر فى البحث عن حل لها، بل عن وصف جديد وجيد لها، نحن لا نفكر فى بناء خندق نحتمى به منها ولا نفكر فى إقامة خط دفاع متين يمنعها من التقدم والاستيلاء على بقية مواقعنا وبقية حياتنا وبقية مقدراتنا، بل ننشغل بشىء واحد هو البحث عن وصف لها. كل مشاكلنا تحظى الآن بقدر من الأوصاف الجديرة بأن نغنى لها، كامل الأوصاف فتنى. وكأن وظيفتنا فى الحياة وصفية بحتة، أما الوصول إلى حلول لمشكلة ما، فعلى الأرجح هى من نصيب شعوب أخرى.

سأعطيك مثالا من الماضى القريب الذى مازلنا نتعامل بإخلاص شديد مع كل معطياته، ونحترم كل أفكاره وطريقته فى التعامل مع الدنيا. نعم.. لقد تغير النظام ولم يتغير بند واحد من منهجه فى التفكير. اتضح أن النظام لم يكن موجودا فى قصر القبة، بل هو موجود داخل عقولنا، ومازال يدفعنا للسير فى طريق محطة الضياع النهائية.

إذا كانت هناك صعوبة فى فهم ما أقول، اسمح لى أن ألخصها لك بوضوح فى مقولة شهيرة، وهى أن الفساد فى المحليات بقى للركب. ستكتشف شيئا غريبا، عدد كبير من الكُّتاب يصعب حصره بدأوا يرددون بإعجاب «الوصف» الجديد الذى قدمه المسؤول الكبير. قد تظن أن النفاق هو ما دفعهم لذلك، الواقع هم معجبون بالمقولة فعلا، لأنها تلخص فى براعة منهجهم فى التفكير الذى يمكن تسميته «الوقوع فى حب المشكلة»، لم يفكر أحد منهم فى أن يعقّب: حسناً يا سيدى.. لقد وصل الفساد فى المحليات للركب، وماذا ستفعل أنت بشأن ذلك؟.. كما لو أن هناك مسابقة لمعرفة إلى أين وصل الفساد فى المحليات، أو كأن هناك خلافا بين العلماء حول هل هو فوق الركبة.. هل يمكن وصفه بأنه مينى أو ميكرو؟

هو لم يقل الجملة الوصفية تمهيدا لإجراءات اتخذها أو سيتخذها النظام لمحاربة هذا الفساد، يعنى لم يقل: بما أن الفساد فى المحليات وصل إلى الركب، ولكى لا يصل إلى ذقون الناس، قررنا كذا وكذا وكذا. ولكنه لم يقل ذلك، هو على يقين من أن فكرتنا جميعا عن حل مشكلة ما هى الوصول إلى وصف لها.

تستطيع أن تقول إنه من المستحيل تناول أى مرض بالعلاج بغير تشخيص سليم، وأنا أقول كما يقول الدمايطة وأهل بورسعيد: صح.. عدّاك العيب وقزح. غير أنه لابد من تنبيه حضرتك إلى أن إطلاق الأوصاف على الأمراض ليس هو التشخيص، التشخيص هو مهنة هؤلاء الذين يعرفون، أما إطلاق الأوصاف فلا يتطلب علماً أو معرفة. هو يتطلب فقط الضعف والعجز عن الفهم وأيضا انعدام الرغبة فى الاستمتاع بالحياة والقدرة على الدفاع عنها. نحن أشبه بالثعلب الضعيف الذى عجز عن القفز إلى غصون العنب المرتفعة فقال فى تبجح: أصله حُصرم.

هو ليس شجاعاً إلى الدرجة التى يعترف فيها بأنه عاجز عن القفز عاليا، لذلك اكتفى بما نفعله نحن جميعا وهو إطلاق الصفات الكاذبة فى معظم الأحيان، فى الغالب هذا الثعلب سيقول لزملائه فى الغابة: العنب الحصرم الآن فى الغابة وصل للركب.

التعليقات