كتاب 11

08:11 صباحًا EET

التجريف إرادة نخبة.. والتغيير إرادة شعب

أخيراً أعلن السيسى ما كان متوقعا، كلمته القصيرة للأمة التى تحدث فيها عن الأزمات التى نعانيها وعن المخاطر التى تتعرض لها البلاد جعلتنى أشفق عليه، فالمشير السيسى ابن المؤسسة العسكرية، الذى اعتاد الالتزام والنظام والطاعة، كيف سيتسنى له التعامل مع كل هذه الفوضى بعقليته العسكرية، هل يمكن أن يستوعب كل هذه التناقضات بدرجاتها اللونية المختلفة وهو رجل الأبيض والأسود، ودار فى ذهنى سؤال: كم من وقت سيحتاج ليخلع عنه فكرة العسكرى ويحدد صورته الذاتية؟ خاصة أن هناك من يحاصره فى صور نمطية سابقة، فالبعض يراه تكرارا لمبارك، والبعض الآخر يجده تجسيدا لعبدالناصر.

الحديث عن السيسى كمرشح الضرورة يصاحبه الحديث عن التجريف الذى حدث فى مصر خلال سنوات مبارك، فجعلها بلدا بلا كفاءات، والنتيجة: ليس لدينا من هو خير منه، فإذا كان الاختيار بين الحسن والأحسن، فهو الأحسن على حد قول صباحى.

موضوع التجريف الذى تتحدث عنه النخب الثقافية والسياسية كثيرا ليس سوى وَهم تعيشه وتصدره للعامة، فهذه النخب ظلت تعيش فى معسكرين لا ثالث لهما: معسكر النظام أو معارضته، الكل عينه على القصر، لا على تحسين الحياة لمصر، ما حدث فى 2012 يؤكد ذلك، فالشخصيات التى خاضت تجربة الانتخابات الرئاسية فى عام 2012، أنفقت فى تلك الحملات ملايين الجنيهات، وبعد وصول مرسى للحكم لم يحاول أى مرشح أن يحقق ولو بندا من بنود برنامجه الانتخابى بدعم من مؤيديه، حتى المرشحون ذوو الشعبية الكبيرة لم يستفيدوا منها لتأسيس مشروع قومى يكون بمثابة نموذج يحتذى به فى العمل الأهلى، ويلتف حوله الشباب الضائع وسط المظاهرات والاحتجاجات، ويكون بداية حقيقية للتغيير، نعيد نفس السلوك، والمدهش أننا نتصور أن تأتى النتائج مختلفة، فرق كبير بين هؤلاء المرشحين وآل جور منافس بوش الأقرب لرئاسة أمريكا، فتلاعب الفرز لم يوقفه عند «الطنطنة» بخسارته الملفقة، بل قدم دورا جديدا كأحد حماة البيئة، فحصل على نوبل للسلام، وحصل فيلمه الوثائقى عن التغيرات المناخية على جائزة الأوسكار، وحقق بعيدا عن البيت الأبيض رسالته، وهى حماية كوكب الأرض.

لنكن صرحاء مع أنفسنا، فقبل وبعد 25 يناير و30 يونيو صراع النخبة لم يكن أفضل من صراع المماليك، خدمة الوطن والمواطن لم تكن هى الأولوية، بل الأولوية كانت للسلطة والنفوذ والأضواء، وربما هذا يفسر مواقف عدد من الشخصيات السياسية والثقافية والإعلامية التى كانت شريكة فى الحياة السياسية فى عهد مبارك، ومازال كل آمالها أن تتعلق بذيل حملة السيسى، فهى لا ترى لنفسها دورا أو مكانة إلا بالقرب من النظام، أى نظام تستمد منه قوتها وقيمتها، ولا تستطيع أن تتخيل لها وجوداً بعيداً عن الأضواء التى تحوم حولها كفراشات هائمة، لكن أن يكون لها دور حقيقى فى خدمة الوطن والمجتمع فهذا محض خيال.

لن يغيرنا رئيس، سواء كان السيسى أو حمدين أو غيرهما، إن لم تكن إرادة التغيير نابعة منا، ويجب أن ندرك أن جزءا كبيرا من مشاكلنا فى فترة حكم مبارك أننا لم نكن أفضل منه، هذه المرة علينا أن ندرك أننا شركاء الرئيس فى صناعة مستقبلنا، وكما سنكون سيكون.

التعليقات