كتاب 11
عصا السيسى!
سوف يكون على المشير عبدالفتاح السيسى أن ينجح مرتين: مرة باعتباره مرشحاً، ابتداء من اللحظة التى أعلن فيها استقالته من منصب وزير الدفاع، مروراً بفترة الترشح والدعاية، وانتهاء بإعلان النتيجة، ثم مرة أخرى باعتباره رئيساً، ابتداء من اللحظة التى يفوز فيها إلى أن تنتهى فترة ولايته كرئيس!
وإذا ما تأملت النجاح على المستويين، فسوف تكتشف أن النجاح الأول ربما يكون أسهلهما، ليبقى الثانى هو الأصعب حقاً.
وليست هناك إلا طريقة واحدة، بل وحيدة يمكن بها للرجل أن ينجح فى المرتين بسهولة، وهذه الطريقة هى أن ننشغل جميعاً، منذ الآن، بالمستقبل، والمستقبل وحده.
فمنذ 25 يناير 2011 إلى أيامنا هذه، وبامتداد أكثر من ثلاث سنوات، ونحن لا شغل لنا إلا الماضى وما كان فيه، ولابد أن تجربة هذه السنوات الثلاث تقول لنا بأوضح لغة إن انشغالنا بالماضى طوال تلك المدة واستغراقنا فيه، إلى هذا الحد، لم يجلب فى حياتنا شيئاً مفيداً، ولم يوفر فرصة عمل لعاطل، ولا أطعم جائعاً، وأتاح سكناً لمتشرد فى الشارع، ولا قدم دواء لمريض يبحث عن علاج، ولا.. ولا.. إلى آخر ما تحتاجه الملايين بيننا من أمور حياتية ضاغطة لا تحتمل التأجيل فى كل الأحوال.
انشغلنا، بأكثر من اللازم جداً، بما كان فى ماضينا، ولم نشأ أن نستوعب، إلى الآن، أن ما يجب أن يشغلنا هناك هو فقط الشىء الذى يضيف إلينا فى أيامنا الحالية، وأن ما عداه لا يجوز أن نتوقف أمامه دقيقة واحدة نحن أحوج الناس إليها فى مستقبلنا وفى حاضرنا معاً.
انشغلنا لسنوات بأموال فى الخارج قيل إنها بالمليارات، وقد بنى الملايين عليها أحلاماً وردية، ثم تبين للجميع أنه لا مليارات فى الخارج، ولا ملايين، ولا يحزنون، بل إن المحزن فى الأمر أن مليارات الداخل قد ضاعت من بين أيدينا، ونحن منشغلون بما هو خارج الحدود وغارقون فيه، فأصبحنا على الوضع الذى تراه، فلا جئنا بما قلنا للناس إنه موجود ومكدس فى خزائن عواصم العالم، ولا سعينا إلى أن ننقذ مليارات الداخل من التبخر والضياع!
وغاية القول إن الذين رأوا فى المشير السيسى أنه رجل اللحظة وأنه المنقذ، والذين ضغطوا عليه منذ 30 يونيو الماضى ليترشح، وكذلك الذين قالوا إنه لا بديل عنه.. هؤلاء جميعاً مطلوب منهم، منذ لحظتنا هذه، أن يتوجهوا بكامل طاقتهم، نحو المستقبل، وألا يتركوا فى عقولهم مساحة، أى مساحة، لشأن مضى وانقضى وألا ينظروا إلى الوراء، إلا بالقدر الذى يضيف به هذا الوراء إلى الأمام وفقط، لأنه لا سبيل لنجاح السيسى رئيساً إلا بهذه الطريقة وحدها.
السيسى ليس إلهاً، ولا هو ساحر، ولا يملك عصا موسى، وإذا كانت فى يده عصا، فهى الملايين التسعون الذين عليهم أن يسعفوه، وألا يخذلوه وأن يكونوا عوناً له، لا عبئاً عليه.