أفضل المقالات في الصحف العربية

10:40 صباحًا EET

الصراع مجددا من أجل الديمقراطية

 تحدث الرئيس باراك أوباما مجددا أثناء الأزمة الأوكرانية مكررا إحدى عباراته المميزة بشأن «الوقوف إلى الجانب الصحيح من التاريخ». فالأحداث الأخيرة التي شهدتها جزيرة القرم تحذر من أن التحولات الحاسمة في التاريخ يمكن أن ينتج عنها قادة مستبدون، نتيجة لوجود خصم ضعيف أو مرتبك. والقوة قد لا تصنع الحق، لكنها تخلق حقائق على الأرض يصعب تغييرها.

مشكلة بوتين الحقيقية هي أنه على الجانب الخطأ من حلف شمال الأطلسي. هذا الموقف تسبب في خسارة أسلافه السوفيات، ومن المحتمل أن يلقى نفس مصير أسلافه، فرغم عدم إرسال الناتو الحذر قواته إلى المجر عام 1956 أو تشيكوسلوفاكيا في عام 1968 لمواجهة العدوان السوفياتي، بسبب رفض المحافظين، فإنه حقق انتصارا حاسما في الحرب الباردة.

انقلاب بوتين في القرم كان له أثر إيجابي بالغ على أوباما والغرب، فقد نتج عنه ما وصفه قائد قوات حلف الناتو الجنرال فيليب بريدلاف الأسبوع الماضي بأنه «نقلة نوعية» في مفاهيم الرئيس الروسي. ويشرح بريدلاف أن «ما تغير في هذا النموذج» هو أن «روسيا التي اعتادت على أن تكون شريكا تتصرف الآن كخصم يضع قواته على حدودنا على أهبة الاستعداد، ومن ثم ينبغي أن نتخذ موقفا مختلفا وأن نكون أكثر استعداد».

وبضمه شبه جزيرة القرم يكون بوتين قد غير بالفعل الإطار الذي تقيّم به الولايات المتحدة وغيرها من البلدان تحركات موسكو. ويفترض أن يكون إعادة تمركز روسيا جزءا من نيات بوتين، لكنها استراتيجية محفوفة بالمخاطر قد تسفر عن ردود فعل دبلوماسية واقتصادية وعسكرية موحدة من الغرب. فبوتين وفق معظم المؤشرات السياسية والاقتصادية يقود أمة ضعيفة.. قوة في طريقها إلى الأفول، لا قوة صاعدة. فروسيا لديها رئيس مشاكس وانتقامي على استعداد لاستخدام القوة، ولكن هذه الاستراتيجية قد تكون مجدية في حال استسلم الغرب.

كان بريدلاف حذرا في مناقشة الخيارات العسكرية للناتو، وقال إن «نقل القوات ليس مسألة هينة»، مشيرا إلى أنه سيكون من الصعب مواجهة الجيش الروسي على الحدود الأوكرانية لأنه «بالغ الضخامة وعلى أهبة الاستعداد»، ولكن نظرا للآثار المزعزعة للاستقرار التي أحدثها الغزو الروسي لشرق أوكرانيا، يجب على الناتو تجهيز قوة رادعة لمواجهة مزيد من العدوان، لا الحل عبر الإقناع.

وعند استماعي إلى محادثة بين الأميركيين والأوروبيين في مؤتمر عقد في بروكسل مؤخرا، خامرني شعور بأن مناورة بوتين سوف تفشل مع مرور الوقت، إذا تحلت أوروبا وأميركا بالحزم والصبر. وقد قال لي وزير الخارجية الأوكراني أندري ديسشاتسيا إنه مصمم على انضمام بلاده الآن إلى الاتحاد الأوروبي، لتظل في سلام مع جارتها في الشرق، قدر الإمكان، لكنها ستكون مستعدة «بشكل كامل» لقتال القوات الروسية إذا غزت شرق أوكرانيا.

وقال ديسشاتسيا إن التحدي الحقيقي هو أن تنجح يورو الثورة الأوكرانية، كما يطلق عليها. وأضاف: «نحن بحاجة إلى بدء الإصلاحات اليوم»، لإصلاح النظام المالي الفاسد في جيش البلاد الضعيف. وقد أدلى بتصريحاته هذه في جلسة أدرتها في منتدى بروكسل، برعاية صندوق مارشال ألماني.

من ناحية أخرى، يواجه أوباما انتقادات بشكل يومي من قبل المحافظين، الذين لمحوا إلى أنه هو من سمح لبوتين بغزو شبه جزيرة القرم. ولكن أوباما كان حازما للغاية منذ بداية الأزمة، فقد دفعت الولايات المتحدة أوروبا إلى تبني عقوبات بإعلان قائمتها الأولى، وقام الناتو ببعض التحركات العسكرية لطمأنة بولندا ودول البلطيق. وانتقلت الولايات المتحدة أيضا بهدوء للمساعدة في خفض ما يقرب من ثلث واردات أوكرانيا من الغاز الروسي قبل نهاية العام، والاستغناء عنه تماما بحلول عام 2020.

ينبغي على أوباما مواصلة المسيرة التي بدأها، والعمل بشكل وثيق مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. ونأمل أن تكون «المرأة الحديدية» في هذه الأزمة، كما كانت أثناء التعامل مع الانهيار الاقتصادي في أوروبا. وقد بدا بوتين مزدريا لأوباما، لكنه قد يكون أقل ازدراء إذا عمل الرئيس بالتنسيق مع ميركل.

لقد تحدث الشيوعيون قبل قرن عن حتمية انتصارهم، وكانوا يعتقدون أن حركة التاريخ تميل باتجاههم، وكم كانوا خاطئين؛ فالمعركة من أجل الديمقراطية ستدور مرة أخرى، وما من شك في أن الأخيار هم الذين سينتصرون في النهاية.

التعليقات