آراء حرة

12:50 مساءً EET

أمجد عرار يكتب : الإخوان ومصلحة مصر

رغم كل ما يقال عن بعد الشارع العربي عن “الربيع” ووداعته وسلميته، يبقى أن مصر ومثلها تونس الأقرب من “سكّة السلامة”، إذا ما قيست بما جرى ويجري في دول عربية أخرى مثل العراق وليبيا وسوريا . فالمشهد المصري سياسي يشوبه بعض العنف، أما دول “الربيع” الأخرى، باستثناء تونس، فالمشهد فيها عنف خال من السياسة .

وحتى لا ينجر أحد إلى مربّع الجدل السفسطائي حول الأسباب، ويجيّر النقاش لهذه الجماعة أو تلك، وحتى نتخلى عن آفة النسيان في تعاطينا مع قضايانا، فإن العنف في مصر نشأ بمستويات متدنية أثناء انتفاضة 25 يناير، لكنّه زاد بعدها خلال الفترة الانتقالية التي تصدّرها الجيش، في سياق محاولات سرقة الانتفاضة وقطف ثمار النضال الذي شارك فيه ملايين المصريين في ظل غياب كل القوى السياسية التقليدية عن قيادة الحراك الذي لا فضل لها فيه .

بعد أن تسلّمت جماعة الإخوان المسلمين الحكم (مجلس الشعب والرئاسة)، في انتخابات صحيحة في ظروف غير صحّية، لم يتوقّف العنف بل تفاقم، ونتذكّر مثلاً أحداث قصر الاتحادية وبور سعيد، وسحل المصريين الأربعة في شوارع أبو النمرس، وكذلك تفاقم الإرهاب الذي حصد أرواح عشرات الجنود في سيناء . ثم بعد أن خرجت الجماعة أو أخرجت من الحكم، تصاعد العنف بشكل خطير بقيادتها وبفعلها رداً على خسارتها السلطة . وما زال العنف سيّد الموقف في مواجهة “خريطة المستقبل” المتمثّلة بإعداد الدستور والاستفتاء الناجح عليه، ومن ثم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة .

هنا يقفز السؤال المهم: ما العمل؟ إجابة هذا السؤال تعتمد على طرفي الصراع في مصر، وهو واقعي بين جماعة الإخوان والدولة المصرية . وبعيداً عن العنف والإجراءات المضادة، والأفعال وردود الأفعال، وخطأ التقدير والسلوك والمعالجة السياسية هنا أو هناك، فإن القضايا تعالج بالجوهر والمضامين والخطوط العريضة، لأن المظهر والشكل والفروع ليست العناصر الحاسمة في تغيير موازين القوى وحسم الصراع السياسي . وفي ملعب الصراع الجاري حالياً في مصر، وبكل موضوعية، تبدو الكرة في ملعب الإخوان المسلمين الذين ينبغي عليهم إجراء المراجعة الضرورية من أجل المصلحة الوطنية أولاً ومصلحتهم ثانياً .

في مطلق الأحوال، فإن الدولة عادة ما تتخذ الإجراءات الكفيلة بحماية الأمن والاستقرار، ومن الطبيعي أن تكون السياسة المتبعة لتحقيق هذه الغاية متّسمة بالحزم والجدية، عندما تشهد البلاد أحداث عنف واغتيالات وتفجيرات . وأياً كان المسؤول المباشر عن هذه الأوضاع المدمّرة للبلد والشعب والقوى السياسية، فإن القوة التي تقود الصراع مع الدولة وأغلبية المجتمع، مطالبة بانتهاج سياسة جديدة قائمة على العقلانية . عندما يتحقق الاستقرار والهدوء، تستطيع مصر أن تتعافى وأن تبني نظامها السياسي على أسس الديمقراطية المبدعة وغير المستنسخة .

لقد بات واضحاً ومؤكداً، أن عصر الاستبداد والدكتاتورية ولى وانتهى، وكل سلطة تدرك تماماً أن الشعب لا يسمح بالعودة إلى الوراء . القوى السياسية المتمتعة بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية، من حقها أن تناضل مع الشعب ومن خلاله في سبيل أهدافها، وليس لأهداف فئوية ضيقة، لكن الأهم أن تنتهج الوسائل الديمقراطية والواقعية، وبعيداً عن الرغبوية والأوهام، لأن أي طريق آخر لا يحقق هدفاً وطنياً، إنما يصب في خانة المخططات المعادية والمتربصة بالأمة العربية كلها .

التعليقات