مصر الكبرى

11:40 مساءً EET

من الربيع إلى الشتاء!

هل تحول الربيع العربي المليء بالأمل والأحلام بغد أجمل مفعم بالكرامة ومؤصل بالحقوق، إلى شتاء مظلم ومهلك يتحكم فيه الغلو ويفسح المجال للتسلط باسم التشدد الديني؟! كيف لنا قراءة أحداث «الهرج» الحاصل في تونس وليبيا ومصر،

وهي المحكومة بتيارات محسوبة على الإسلام السياسي فيأتي من يزايد عليها ويخرجها من حكم الطاعة لولي الأمر ويبدأ في تطبيق الشرع «بيده» بشكل أقل ما يقال عنه أنه فوضوي وهمجي، ولكن أيضا دموي ويكلف الكثير من الأبرياء حياتهم؟! ها هو الزعيم الإسلامي راشد الغنوشي قائد التيار الإسلامي الحاكم في تونس يحذر من «التطرف» وخطره على تونس. وفي ليبيا هناك اتهام واضح وصريح جدا لتنظيم القاعدة بأنه يواجه الحكم الجديد في ليبيا بالسلاح والفوضى. وفي مصر أعلنت الجماعات الجهادية السلفية في سيناء عن إسقاط ولاية الرئيس محمد مرسي عنها، وأنه رئيس غير شرعي، وهاجمت مقار للجيش والشرطة. كل هذه الأحداث تقدم وجبة دسمة من أدلة وبراهين دامغة لمحبي ترويج وتبني نظرية المؤامرة والتدخل الأجنبي والأجندات الخارجية والخفية.
اطلعت في الأيام الأخيرة على ثلاث دراسات معدة في الثمانينات الميلادية وأوائل الألفية الجديدة الحالية، وهي تشير إلى حد كبير إلى التطورات الحاصلة في العالم العربي اليوم.. إطلاق الصراعات المذهبية والعرقية والحدودية والتقسيمات، وإقامة دويلات جديدة في حدود مستحدثة، والمهم واللافت في هذا الموضوع أن جميع هذه الدراسات تم إعدادها بمراكز صناعة قرار محسوبة على التيار المتطرف والمعروف باسم «المحافظين الجدد» والمحسوب على أهم الأجنحة الداعمة لإسرائيل والصهيونية، بل إن أقدم هذه التقارير صادر من إسرائيل نفسها في الثمانينات من القرن الميلادي الماضي، وهو من تأليف أوديد ينون وترجم من قبل السياسي والمؤرخ الإسرائيلي المعروف جدا في إسرائيل شاماك، وهو يعرض فيه أهمية استحداث دويلات جديدة في سوريا.. دويلة علوية على ساحل المتوسط، ودويلة دروز في الجولان وجبل الدروز في سوريا، ودويلتان سنيتان (على عداء) واحدة عاصمتها دمشق والأخرى حلب، وأيضا السعي إلى دويلات للبربر في شمال أفريقيا بالمغرب والجزائر وليبيا، وأيضا تقوية دويلات للأكراد. وهناك هاجس عظيم لإسرائيل هو العمل على استعادة سيناء من مصر بأي شكل، لأنهم على يقين أن السادات خدعهم وأخذ منهم جزءا أساسيا من فكرة «إسرائيل الكبرى». ولكن كل هذه الدراسات والمخططات والأفكار والآمال والأحلام لا يمكن أن يكتب لها النجاح والوصول للمطلوب لولا وجود أرضية هائلة مناسبة من الفساد والظلم والاستبداد والتسلط والتشدد والتنطع والكراهية والعنصرية، تشكل أرضا خصبة ومثالية لزرع كل أنواع الفتن والمكائد والخطط الشيطانية. العلة الأساسية هي علة داخلية وذاتية يحسن استغلالها الأعداء والآخرون، وهم محقون في استغلال نقاط الضعف لحماية مصالحهم وتعزيز توجهاتهم، ولكن المشكلة الكبرى تكمن في استمرار تجاهل أصل المشكلة وعدم الاعتراف بوجودها وتسمية التطرف والجهل بأنه «وسطية سمحة»، والاستبداد والظلم بأنه «نظام سياسي مثالي»، ومطالبة الشعوب بالعيش والكرامة بأنها «مؤامرات خارجية».
كما جاء الربيع العربي نتاج طموح شعب خرج من القمقم يريد الحياة واستجاب له بالتالي القدر، يأتي «الشتاء» ليذكر الناس بأنهم كما كان لهم موعد مع مواجهة الاستبداد والظلم، لا يزال موعدهم قائما ومستمرا في مواجهة الظلام والظلمات والجهل المستغل باسم الدين، وهي معركة هائلة لدين تم اختطافه من مجموعة من الأشقياء يعتمدون في تصرفاتهم على كتب وآراء وفتاوى لم يعترف العالم الإسلامي إلى اليوم بأنها خطأ ولا بد من تطهير الكتب منها ومعالجتها حتى لا تبقى سما يشرب منه المجتمع الإسلامي كل فترة وأخرى.
المشوار لا يزال طويلا وملامح الشتاء تزداد برودة ووحشة!           

التعليقات