مصر الكبرى
لماذا يدافع صلاح منتصر عن زاهي حواس؟!
كتب صلاح منتصر بجريدة الأهرام في 15 سبتمر قصيدة مدح في الدكتور زاهي حواس, تجعل مصر مثل البلد اليتيم بعد أن طارده شباب الآثار خارج الوزارة وألقوا خلفة القلة. فقد حاول الكاتب إقناع القراء بأن زاهي حواس الوزير السابق الذي حول آثار مصر وتاريخها إلى سلعة تباع وتستأجر, ويتحول ثمنها إلى حسابات خاصة.
حواس الذي ارتدى قبعة الممثل الذي قام بدور انديانا جونز في الأفلام الأمريكية, حتى يقنه الناس بأنه نجم عالمي. وحتى يقنع المسئولين بإعادة حواس إلى وزارة الآثار التي ترك خزائنها مديونة بمليار جنيه, صور لنا منتصر أن السياح الأجانب امتنعوا عن الحضور إلى مصر – لا بسبب الفوضى وعدم استتباب الأمن – ولكن لأن حواس لم يعد وزيرا للآثار في بلادنا. انخفض دخل السياحة وتشرد العاملون بها لسبب واحد في رأي الكتاب المخضرم – وهو غياب حواس عن دفة القيادة في عالم الآثار. ووصل الحال بصلاح منتصر أن يتملق جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة, حتى يعيدوا صديقه حواس إلى المتحف المصري الذي تمت فيه سرقة آثار توت عنخ آمون دون أن يعلم أحد من سرقها, لأن سيادة الوزير لم يقدم أفلام كاميرات المراقبة. ففي مساء 28 يناير قام بعض المتظاهرين بإحراق مقر الحزب الوطني المطل على نهر النيل, ثم قام بعض المخربين في باقتحام المتحف المصري الواقع بمديادن التحرير, خلف مبنى الحزب الوطني, عن طريق شباك زجاجي في الطابق العلوي. ثم حضر زاهي حواس – وزير الدولة لشئون الآثار في حكومة الفريق أحمد شفيق – في صباح اليوم التالي لمعاينة المتحف, وأكد عدم وقوع أية سرقات للآثار, وقال إن المقتحمين تسببوا في إتلاف 70 قطعة أثرية وقام بعض المتظاهرين بالقبض على تسعة أشخاص وتسليمهم إلى رجال الجيش.
وعندما اتصلت السيدة إيرينا بوكوفا رئيسة هيئة اليونسكو بحواس في 4 فبراير للإطمئنان على آثار مصر وعرضت عليه إنشاء فريق دولي خاص لحماية المتحف, رفض حواس المساعدة وأكد لها أن المتحف المصري آمن, وهو لا يحتاج لمساعدة أجنبية. وخاطب حواس مندوبي الصحافة والتلفزيون ليؤكد أن المتحف المصري بخير, وقال إن كل ما أشيع عن سرقات للآثار لا أساس له من الصحة. وقال حواس لمحطة "سي ان ان" إن المخربين اقتلعوا مومياءتين وألقوا الآثار على أرض المتحف, لكن الجماعة التي تكونت من تسعة أشخاص لم تتمكن من سرقة أي شيئ من محتويات المتحف.
وفي الرابع من فبراير نشر حواس في موقعه على الانترنت أنه تاكد بنفسه من عدم فقدان أية قطعة من آثارتوت عنخ آمون, وشاهد تمثال اخناتون الصغير وهو يقدم القرابين موجودا في مكانه. كما أكد أن كاميرات المراقب تعمل في جميع صالات المتحف. ومع هذا فبعد مرور 16 يوم – عاد الدكتور حواس في 13 فبراير – ليفاجئ العالم كله بإعلانه عن سرقة 18 قطعة أثرية هامة من متحف القاهرة, كلها تتعلق بالملك توت عنخ آمون وعائلته: تمثالين لتوت عنخ آمون وتمثال لأمه نفرتيتي وآخر لوالده إخناتون وتمثال لراس أميرة من العمارنة, إلى جانب جعران وعدة تماثيل الشبه لجده الأكبر الوزير يويا. وتقدر هذه القطع في حالة بيعها في سوق الأنتيكات العالمية بما لا يقل عن مائة مليون دولار. والغريب هنا أن الدكتور حواس كان قد خص علي طه مندوب جريدة الشرق الأوسط في 29 يناير بتصريح قال فيه إن "المتحف تعرض للسرقة بالفعل", إلا أن القطع المسروقة "ليست بأهمية قطع توت عنخ آمون". وهذا يدل على أن الدكتور حواس كان مدركا لأهمية آثار توت عنخ آمون بالذات وأنه قد تأكد بنفسه من عدم فقدانها, فمالذي حديث بعد ذلك؟ وقد شهدت السنوات العشرين الماضية زيادة كبيرة في كمية الآثار المصرية المعروضة للبيع في مراكز المقتنيات والأنتيكات في معظم المدن الرئيسة بأوروبا وأمريكا, كما تكاد غالبية المزادات التي تقيمها شركات عالمية – مثل كريستيز وساذربي – ألا تخلو من قطع للآثار الفرعونية. وقد نشرت جريدة الشرق الأوسط تقريرا يفيد بأن عددا من المختصين والمسئولين بهيئة الآثار قدموا بلاغا إلى النائب العام في مصر, يتهمون فيه فاروق حسني وزير الثقافة السابق, عن وقائع عن "سرقات الآثار والتعامل مع عصابات المافيا مما أدى إلى فقدان مصر لعشرات الآلاف من القطع الأثرية", وطالب مقدمو البلاغ بالتحفظ على أموال فاروق حسني لحين الإنتهاء من التحقيقات في الوقائع المنسوبة إليه. (15 /2 /2011) ومنذ عودته من أمريكا في سنة 1987, نشأت علاقة صداقة حميمة بين الوزير حسني والدكتور حواس, الذي صار مسئولا عن آثار منطقة الجيزة. وفي أحد الأيام في 1993, ظهرت صورة للفنان عمر الشريف في إحدى المجلات وهو يحمل تمثالا نادرا يرجع لعصر بناة الأهرامات من الأسرة الرابعة, كان قد تم العثور عليه حديثا. وانزعج الدكتور محمد إبراهيم بكر – الذي كان عندئذ رئيسا لهيئة الآثار – عندما شاهد هذه الصورة, وأصدر تعليماته للدكتور حواس بعدم إخراج هذا التمثال من المخزن بدون إذن كتابي منه هو شخصيا. ومع هذا فعندما قام الرئيس معمر القذافي بزيارة للأهرامات بعد عدة أيام, أخرج حواس التمثال مرة أخرى بدون إذن من رئيس الهيئة, ثم اختفى التمثال بعد ذلك ولم يعد إلى المخزن. قرر الدكتور بكر إيقاف حواس عن العمل في 21 مارس 1993 وتحويله إلى التحقيق الإداري, ولكن فاروق حسني طالبه باغلاق التحقيق. وعندما صمم الدكتور بكر على الاستمرار في التحقيق, قام وزير الثقافة بالغاء انتداب بكر وطلب من الرئيس الجديد إعادة حواس إلى عمله فورا. وهكذا ضاع التمثال النادر وتم قيده على مجهول.
كما نشرت جريدة الأهرام التي يكتب بها صلاح منتصر في نسختها الإنجليزية الصادرة في 2 أبريل الماضي تقربرا يفيد بأن زاهي حواس يواجه اتهامات بخرق قانون الآثار المصري عندما وافق على عرض بعض القطع النادرة في استراليا والولايات المتحدة الأمريكية وقد أحال النائب العام – عبد المجيد محمود – الاتهام إلى نيابة الأموال العامة, بخصوص اتهام حواس باضاعة المال العام. وكان نور الدين عبد الصمد – مدير الموافع الأثرية والدكتور عبد الرحمن العايدي رئيس الإدارة المركزية لآثار مصر الوسطى, قد قدما اتهامات ضد حواس وطالبا بإعادة القطع الأثرية التي أخرجها حواس إلى المتحف المصري بالقاهرة .
كما تلقى مكتب نيابة الأموال العامة اتهامات أخرى ضد حواس بإضاعة المال العام وتعريض الآثار المصرية للسرقة بالمساهمة مع أفراد من النظام السابق. فقد وجهت التهمة لحواس بالاتفاق مع جمعية ناشيونال جيوجرافيك الأمريكية على عرض بعض القطع الأثرية النادرة في مناطق مختلفة من الولايات المتحدة واستراليا, مخالفا بذلك قانون حماية الآثار. كما اعترف حواس في حوار تلفزيوني بأنه تعاقد مع ناشيونال جيوجرافيك على مبلغ 17 مليون دولار, مقابل معرض توت عنخ آمون – يتم دفعها لجمعية السيدة سوزان مبارك زوجة الرئيس السابق وهي مؤسسة خاصة, وليس إلى المؤسسة الحكومية التي يعمل بها.
وفي الوقت الذي يطالب فيه صلاح منتصر إعادة صديقغه حواس إلى وزارة الآثار, يواجه حواس عدة اتهامات تتعلق بتبديد المال العام وسرقة آثار مصرية خلال عمله في الآثار, أمرت النيابة بتشكيل لجنة تتكون من خبراء قانونيين وخبراء آثار لدراسة كل الوثائق التي قدمت من قبل حواس للرد على الإتهامات الموجهة إليه. وقال حواس في التحقيق إن كل الدخل الذي تحقق من المعارض التى حضرها كانت على شكل تبرعات لمستشفى سرطان الأطفال وعدد من المشروعات الأخرى التي أقامتها عائلة الرئيس مبارك. فلماذا يريد صلاح متصر إعادة حواس إلى الوزارة حتى قبل أن ينتهي التحقيق معه وتتبين مسئوليته؟ !