كتاب 11
حرائق الشوارع… والعقول
مقابل راكبي موجة السيسي من السياسيين والإعلاميين «المطبلاتية» الذين يضرون الرجل أكثر من نفعهم له، السيسيون أكثر من السيسي نفسه، الساعون إلى حجز مواقع لهم في النظام المقبل، هناك الإسلاميون الذي أطاح أحلامهم، وخصوصاً «الإخوان» منهم الذين أفقدهم عرشهم.
هناك أيضاً مؤيدو منافسي السيسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ومعهم «الثورجية» ممن صدمتهم التغيرات التي طرأت بفعل 30 حزيران (يونيو) ولم تحقق أحلامهم سواء البريئة منها أو المغرضة، فهم في النهاية أصبحوا خارج المشهد، بل مطاردين أحياناً ومنبوذين في أحيان أخرى. المحصلة وبالقياس إلى انخفاض مستوى الأخلاق وتفشي الانفلات واستفحال الرغبة في الانتقام وانتشار الفوضى وعدم تفعيل القانون وتطبيقه على الجميع فإن لا رأي يحترم، ولا شخص فوق محاولات الحرق، ولا منطق تقبله بعض العقول. ولأن البلاد مقدمة على استحقاقات سياسية مهمة كالانتخابات الرئاسية وبعدها البرلمانية فإن المجال فتح واسعاً لمزيد من التشهير وكثير من الحرائق.
نعم احترقت عقول بعضهم بفعل 30 (يونيو) فسعوا إلى توزيع النار على الجميع، يحرقون الجامعات والمنشآت العامة، ويضرمون النار في الميادين والشوارع، ويفجر «إخوانهم» في «أنصار بيت المقدس» المنشآت العامة ويغتالون المسؤولين. ولم يتوقف الإخوان منذ فقدوا السلطة في تموز (يوليو) الماضي عن حرق كل شخصية عامة أبدت تأييداً أو حتى رضا واستجابة الجيش للإرادة الشعبية الجارفة، ولم يَسْلم مسؤول في الحكم، أو سياسي في حزب، أو حقوقي في منظمة رصدت تجاوزاتهم من التعريض بسيرته أو أسرته، أو ترويج أخبار كاذبة عنه، أو اشاعات تنال منه، أو معلومات خاطئة بهدف الإساءة إليه، فما بالك بالسيسي نفسه؟ طبيعي بعد كل كلمة ينطق بها، أو خطاب يتلوه، أو كلام يلقيه، أن يتعرض إلى حملة تشويه من ناشطي الجماعة على مواقع التواصل الاجتماعي، تماماً كما يفعل ناشطون في الشوارع على الحوائط والجدران. نعم أكثر المشاهد تداولاً في مصر منذ 25 كانون الثاني (يناير) تتعلق بالنار والحرائق، ولأن بعض «الثورجية» الذين تحالفوا مع «الإخوان» في فترة أو تغاضوا عن أفعالهم في فترات أخرى فقدوا زخماً وصيتاً وحضوراً تمتعوا به منذ انطلاق الثورة في 25 (يناير) 2011، فإنهم دخلوا على خط حملة الإخوان على الجيش عموماً والسيسي خصوصاً، ولذلك لا تستغرب ردود الفعل تجاه كلامه عن حال الاقتصاد المصري، ووصفه الوضع بأنه صعب وتأكيده أن مصر تحتاج إلى جهد كبير لتقوم من عثرتها، وتحفيز الناس على العمل من الصباح الباكر، وتأكيده أن الأوضاع لن تتحسن بالاعتماد المستمر على مساعدة الأشقاء العرب، ولو قال السيسي عكس هذا الكلام وزعم أن حال الاقتصاد المصري مزدهر والشعب يعمل ليل نهار وكل الأحلام الوردية ستتحقق بعد فترة قصيرة لنال أيضاً الهجوم نفسه من جانب الأشخاص والجهات نفسها، وعندها تكون لديهم المبررات والأسانيد للهجوم أو السخرية!
صحيح أن السخرية صارت «أسلوب حياة» بالنسبة لكثير من المصريين بعد الثورة، ووسيلة للتعامل مع كل متغير أو قرار أو إجراء من أي جهة أو شخص، لكن الحقيقي أنها انقلبت تجريحاً حين يكون الهدف «حرق» المنافس، أو رش الأتربة على أي إنجاز. والمؤكد أن الأسابيع المقبلة ستشهد مزيداً من السخرية وكثيراً من التجريح، فالمنافسة على المقعد الرئاسي صارت على الأبواب، وهناك جماعة اعتقدت أن المقعد لها وحدها ومعها توصية، لا يعنيهم كثيراً ما جرى في دول من حولهم، وأصابهم الإحباط لابتعادهم عن الصورة وتواريهم خلف المشهد، ناهيك عن مؤيدي المنافسين في الانتخابات.
يلخص الحالة المصرية الآن المقارنة بين واقعة تكررت مرتين: الأولى الأسبوع الماضي حينما أشار لاعب الكرة صلاح أمين بعلامة مؤيدة للسيسي بعد إحرازه هدفاً في مباراة لكرة القدم فأوقفه اتحاد الكرة، وفرض عليه غرامة مالية ولم يهتم الإعلام، ومرت الواقعة من دون ضجة، وقبلها بشهور كان لاعب آخر هو أحمد عبد الظاهر أشار بعلامة «رابعة» بعد إحرازه هدفاً فتحول بطلاً لدى «الإخوان» وعناصرها، ودافعت عنه منظمات حقوقية وشخصيات «ثورجية» بعدما عوقب بواسطة ناديه واتحاد الكرة… المعايير مزدوجة في مصر منذ الثورة وستظل كذلك لفترة وبمجرد أن يقدم السيسي طلب الترشح للانتخابات انتظروا حرائق أكثر في الشوارع.. وكذلك في بعض العقول.