كتاب 11

10:05 صباحًا EET

نهاية الشافيزيّة في فنزويلاّ

حين توفي الرئيس الفنزويلّيّ هوغو شافيز، بدا أنّ نائبة من النوائب ألمّت بـ”معسكر مناهضة الإمبرياليّة الأمريكيّة” في العالم. ذاك أنّ فيديل كاسترو، زعيم كوبا، بلغ به العمر والمرض مبلغاً، فغدا لا يصلح أن يكون الرمز الواعد لذاك المعسكر.

لكنّ نصف الفنزويلّيّين نظروا إلى الأمر بعيون مختلفة. فهم اعتبروا أنّ شافيز ربّما كان نجماً صالحاً للستينات والسبعينات، أيّام تألّق “حركات التحرّر الوطنيّ” وحروب العصابات في أمريكا اللاتينيّة. إلاّ أنّه بالتأكيد لم يعد كذلك بعد موجة الديمقراطيّة التي لفحت تلك القارّة في التسعينات. فحتّى الأحزاب الاشتراكيّة التي نجحت في أن تحكم بلدانها، كما حصل مثلاً في البرازيل، تقيّدت باللعبة البرلمانيّة وبحدود التفويض الذي يتيحه الدستور والانتخابات.

صحيح أنّ شافيز نفسه وصل إلى رئاسة بلده من طريق الانتخابات أكثر من مرّة. غير أنّه، ووفقاً لما يتّهمه به معارضوه، تجاوز حدود التفويض الديمقراطيّ الممنوح له. فهو قيّد وسائل الإعلام المعارضة فيما ضاعف حضور الدولة ودورها في الإعلام، وهذا فضلاً عن الرئاسيّة المبالغ فيها التي حكم بموجبها، مع ما لازم ذلك من تحجيم لدور السلطة التشريعيّة. وحين يصل الأمر إلى الاقتصاد الوطنيّ، كان يؤخذ على شافيز استغلاله الشعبويّ لثروة بلاده النفطيّة من أجل برامج للرشوة الاجتماعيّة الموسّعة التي تضمن انتخابه. وهذا السلوك أبعد ما يكون عن الاشتراكيّة التي زعمها لنفسه، والتي تعني تحويلاً عميقاً في علاقات العمل والملكيّة.

على أيّة حال فبرحيل شافيز، جاء الشافيزيّون بخليفته نيكولاس مادورو، زعيم “الحزب الاشتراكيّ الفنزويليّ الموحّد” رئيساً للدولة من خلال صناديق الاقتراع. إلاّ أنّ نقّاده ومعارضيه اعتبروا أنّ الشافيزيّة بدأت تنتهي بعد صاحبها، بدليل أنّ خليفته ذاك لم يفز في الانتخابات التي أجريت قبل قرابة تسعة أشهر سوى بفارق 5،1 في المئة من الأصوات. وهذا عطفاً عن تشكيكهم بنزاهة تلك الانتخابات نفسها.

إلاّ أنّ المسألة أبعد من ذلك، حيث يبدو أنّ الصراع على مستقبل الشافيزيّة، بعد شافيز، انتقل إلى شوارع المدن الفينزويليّة.

ففي الأسابيع القليلة الماضية، بدأت احتجاجات طلاّبيّة في ولايتي تاشيرا وماريدا الغربيّتين، ردّاً على ارتفاع نسب الجريمة والمصاعب الاقتصاديّة المتعاظمة، بما في ذلك نقص السلع الأساسيّة والتضخّم. والمعروف أنّ فنزويلاّ تعاني إحدى أعلى نسب التضخّم في العالم (55 في المئة). لكنْ مباشرةً، وبما يوحي الإحساس بالخطر، انتشر الجنود كما لو أنّهم في ساحة حرب، فقتلوا ما بين 13 و15 متظاهراً واعتقلوا قادة الحركة الطلاّبيّة. وكان لسلوك كهذا أن استفزّ حاكم الولاية جوزيه غريغوريو فيالما مورا الذي هو في الوقت ذاته قياديّ في الحزب الاشتراكيّ الشافيزيّ الحاكم. هكذا احتجّ مورا على سلوك حزبه معتبراً أنّ ما حدث “غير مقبول”، ومسجّلاً رفضه تحليق الطيران الحربيّ فوق رؤوس المتظاهرين، و”استخدام السلاح والتصرّف الانتهاكيّ في تظاهرات سلميّة”، مع مطالبته باستبدال القائد العسكريّ للمنطقة.

وفيما كان رموز السلطة يسجّلون خلافهم مع ما قاله رفيقهم مورا، مؤكّدين أنّهم تصرّفوا التصرّف السليم، انتقلت حركة الاحتجاج إلى العاصمة كراكاس، كما انضمّت إليها المعارضة السياسيّة وقطاعات غير طلاّبيّة. وكان ما زاد في تأجّجها اعتقال القياديّ في المعارضة ليوبولدو لوبيز. هنا لجأت الحكومة إلى الرواية المؤامراتيّة الرديئة، فاتّهمت لوبيز بإثارة الشغب والعمل لإطاحتها بمساعدة المخابرات المركزيّة الأمريكيّة (سي أي آي).

الآن، إذا ما استقرّت الأمور، ستكون فنزويلاّ على موعد مع انتخاباتها النيابيّة العامّة في العام المقبل. وفي غضون ذلك سيحاول الرئيس الشافيزيّ مادورو، الذي انتزع لنفسه صلاحيّات استثنائيّة توفّر عليه طلب رأي البرلمان، أن يستجمع ما يستطيع من أوراق قوّة وأن يفعّلها. فهو، من خلال إمساكه بجهاز الدولة، يستطيع تقديم المزيد من الرشى الاجتماعيّة، على غرار ما فعله قبل شهرين حين منح جميع موظّفي الحكومة علاوات في عيد الميلاد. هكذا هدّأ بعض التذمّرات الشعبيّة ضدّ سياساته الاقتصاديّة. كذلك سيكون في وسعه دائماً أن يستفيد من تفتّت المعارضة التي، وإن كانت تسيطر على المدن الكبرى (كراكاس، ماراكايبو، ميريدا، فالنسيا…)، فإنّها تبقى كناية عن ائتلاف يضمّ 30 حزباً لا يجمع بينها سوى العداء للشافيزيّة.

في مطلق الحالات، ستكون فنزويلاّ، التي تتغيّر بسرعة، مكاناً مثيراً للمتابعة والرهانات، لا سيّما في الولايات المتّحدة وفي جبهة خصومها وكارهيها.

التعليقات