كتاب 11
محلب «الطبيب».. لا المهندس!
يبدو أن تراجع المهندس إبراهيم محلب، رئيس الحكومة، عن اختيار أسماء محددة، كان هو قد اختار أصحابها ليكونوا أعضاء فى حكومته، راجعٌ فى أساسه إلى رغبة الرجل فى أن يظل محبوباً بين الناس، كما كان عند رئاسته للمقاولون العرب، أو عند وجوده على رأس وزارة الإسكان، وراجعٌ كذلك إلى رغبته فى ألا يغضب منه أحد!
إذا كان هذا التفسير صحيحاً فالمرجو أن يراجع المهندس محلب نفسه، بسرعة، لأن مراجعة هذا المفهوم لديه، ثم الإقلاع عنه، ربما يكون سبباً أساسياً فى نجاحه، ونجاح حكومته فيما عليها أن تتصدى له فى الشارع.
ذلك أنه من المرجح أن يتفق هو معى فى أن العمل الناجح من جانب الحكومة، فى بلد مثل بلدنا، وفى ظروف مثل ظروفنا القائمة، لا يمكن أن يكون ناجحاً، ثم يكون فى الوقت نفسه، قادراً على كسب رضا الناس.. كل الناس!
وليس مطلوباً من رئيس الحكومة الجديدة إلا أن يقول، ثم يفعل، ما يراه صحيحاً، وسوف لا يحظى هذا الصحيح، فى الغالب، برضا الناس، وارتياحهم، فى غالبيتهم.. ولهذا، سوف يكون عليه هنا بالضبط أن يمارس دور الطبيب المعالج، الذى يصف العلاج الشافى للمريض، بصرف النظر تماماً عن رضا هذا المريض عنه، وعن علاجه، أو عدم رضاه.
مثلاً.. قال الدكتور حازم الببلاوى، رئيس الوزراء السابق، قبل رحيله عن منصبه بأسبوع واحد، إن دعم الطاقة فى مصر يستهلك 128 مليار جنيه فى العام، وإن هذا المبلغ مهدر فى أغلبه، وإن الوضع على بعضه غير قابل للاستمرار، وإنه، كوضع، فى حاجة إلى أن نواجهه برجولة، حكومة وشعباً معاً.
هذا ما قال به رئيس الحكومة قبل استقالته بأسبوع واحد، وقد كان عليه أن يقوله فى أول يوم له فى رئاسة الحكومة، ثم يبنى عليه، ولكن هذا ما جرى، ولذلك، فالمصارحة من هذا النوع مطلوبة من المهندس محلب، مع كل مواطن، بحيث يفهم الجميع أن رئيس الحكومة حين يصارحهم، بل ويصدمهم بحقائق من هذه النوعية، فإنه لا يفعل ذلك بقصد مضايقتهم، بقدر ما يفعله بقصد أن نكون كبلد أفضل مما نحن فيه! وما أتمناه على الرجل أن يكون صريحاً معنا بأقصى درجة ممكنة، وأن تكون مصارحته منه للناس، بشكل مباشر، دون وسيط، وأن يحاول إفهامهم أنه ما أسهل عليه أن يخدعهم، وأن يُخفى عنهم الحقيقة، وأنه لا يفضل هذا أبداً، وأنه يفضل أن يكون مكروهاً من كثيرين ومفيداً لبلده، على أن يكون محبوباً من الملايين ومؤذياً للصالح العام!
مرة أخرى، أحب أن ينتبه المهندس محلب، بكامل وعيه وحواسه، إلى أن الطبيب عندما يصف علاجاً للمريض، فإنه لا يراعى أبداً أن يكون العلاج حلواً، أو مريحاً، بقدر ما يراعى، بنسبة مائة فى المائة، أن يكون شافياً لأوجاعه، ولا بأس عليه بعد ذلك، فى أن يحبه المريض، أو يمقته!
ليس هذا فقط، وإنما على «محلب» الطبيب، لا المهندس، أن يلتفت إلى أننا تجاوزنا مرحلة تشخيص المرض إلى مرحلة البحث عن علاجه المناسب والشافى، إذ ليس هناك مسؤول سابق، على مستوى رئيس الحكومة، أو غيره، إلا وقال بأن مشاكلنا كذا، وكيت تحديداً!
وبالتالى، فإننا لا نطلب منه تشخيصاً، لأننا كلنا نعرف مما نعانى بالضبط، وإنما نطلب علاجاً يشفينا، ولا يخدرنا، أو يدغدغ مشاعرنا، أو يتجنب إيلامنا. أنت، كطبيب فى صورة رئيس حكومة، أمام مريض يعرف أنه مريض، ويعرف حقيقة واسم مرضه، ولا ينقصه إلا أن يصارحه طبيبه بأن هذا على وجه التحديد هو علاجه، وأن عليه أن يتعاطاه، لأنه لا بديل آخر أمامه.