كتاب 11
إسرائيل لن تهنأ بنتائج الربيع العربي
تكسب “إسرائيل” الكثير من لحظة الغفلة التاريخية التي يعيشها العرب، ومن دوران كل بلد عربي كبيراً كان أو صغيراً حول نفسه من دون النظر إلى البلدان الأخرى . مصر، البلد العربي المركز والأكبر، قلما نجد فيها الآن كاتباً صحفياً يكتب في الشأن العربي العام أو القضية الفلسطينية، فما يحدث في مصر يمتص كل الاهتمام وتنصب فيه كل التحليلات والتعليقات .
تكسب الدولة الصهيونية، أولاً، لأن الربيع العربي قد أزاح القضية الفلسطينية من مركزيتها وتوحُد العرب حولها . وتكسب ثانياً، لأن أعين العرب لم تعد موجهة إليها، وبالتالي بإمكانها اغتنام فرص تاريخية للتمدد في الأرض الفلسطينية، وإخضاع الشعب الفلسطيني، وسلبه نقاط القوة التي اكتسبها من كفاحه الطويل، وكذلك تنفيذ العديد من الأحلام الصهيونية المنتظرة للتحقيق على أجندة المستقبل .
تفرك الدولة الصهيونية إذن يديها فرحاً وتتربع على عرش الاستقرار والاطمئنان والقوة، وسط محيط عربي حولها تتساقط بلدانه وتتفكك روابط خرائطه الاجتماعية والسياسية .
ولكن الدولة الصهيونية يجب ألا تسعد كثيراً بوضعها، لأن أعداءها من العرب قد غابوا تماماً عن الفعل أياً كان نوعه، وغابوا عن حركة التاريخ الفاعلة، فهنالك ما يجب أن تخشاه، وهي في الحقيقة تخشاه بكل ما يملك قادتها من حس بطبيعة التاريخ والسياسة . سبب قلق “إسرائيل” الجدي هذه المرة هو اتساع حركة المطالبة بمقاطعتها ومعاقبتها في الغرب كله، بما في ذلك أمريكا وكندا . إن رأس الحربة في هذه المقاطعة ل “إسرائيل” هي المؤسسات التعليمية الأكاديمية الغربية وهيئاتها التعليمية وطلابها، حيث بدأت هذه الحركة في بريطانيا وأوروبا منذ عشر سنوات . وامتدت مؤخراً وفي خطوة صاعقة للكيان الصهيوني إلى أمريكا بتصويت رابطة الدراسات الأمريكية بمقاطعة المؤسسات الجامعية في الكيان الصهيوني .
العقل الغربي المفكر والنشط ممثلاً في الأكاديميين والقطاع الطلابي أصبح يسير في طريق الفعل والإجراءات العملية لعزل “إسرائيل” ومعاقبتها، كما تمت معاقبة جنوب إفريقيا في التسعينات من القرن الماضي، لم تعد الدولة الصهيونية طفل الغرب المدلل، ولم تعد قضيتها تتمركز في قلب الضمير الأخلاقي الغربي، وهذه الدولة استنفدت رصيد تظلماتها التاريخية ورصيد دور الضحية كذلك .
وعبثاً حاولت المنظمات الصهيونية مثل “إيباك” منع وصول صوت المتعاطفين مع الشعب الفلسطيني إلى الجامعات ومؤتمراتها ولقاءاتها حتى لا يتغير الوضع في أمريكا كما تغير من قبل في الساحات الجامعية في أوروبا، لقد كانت هنالك توجيهات وأوامر مكتوبة بمنع مرور المتعاطفين مع حملة مقاطعة “إسرائيل” ومعاقبتها إلى التجمعات والهيئات العلمية، ولكن حقيقة تطابق دولة الكيان مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا هي من السطوع والانتشار، بحيث أن تكسب إليها رابطة الدراسات الأمريكية (ASA) في مؤشر لا يخطئ على أن “إسرائيل” تمضي على طريق معروف .
تسيبي ليفني وزيرة العدل الصهيونية هي التي قالت بعد هذا التطور الأخير إن “إسرائيل” ستتحول إلى “مستوطنة معزولة” إذا لم تستجب الاستجابة المفترضة لحركة المقاطعة الغربية . أما وزير المالية الصهيونية فقد أعلن تخوفه من أن تفقد دولته تأييد العالم وتفقد شرعيتها إذا لم تحقق تقدماً مع الفلسطينيين .
في لحظة الفوز التاريخي التي ظنت الدولة الصهيونية أنها ستعيش أخيراً ومطولاً في ضوء الانهيارات العربية من حولها، ها هي النخبة العلمية والمثقفة الغربية التي شبت عن طوق السيطرة الفكرية والإعلامية اليهودية تصفعها بالإمكانية الواقعية لعزلها ومعاقبتها . وفي الحقيقة فإنه مادامت هذه النخبة القائدة للمجتمع قد انتفضت على الدولة الصهيونية وقاطعت مؤسساتها، فإن هذه الدولة هي في واقع الاهتزاز وسحب الشرعية منطقاً، فلن تهنأ “إسرائيل” إذن بنتائج الربيع العربي .