كتاب 11
«الزواج من أجانب».. ما له وما عليه
يعرف علم النفس الأسري الزواج بأنه تفاهم متبادل والتقاء روحي ونفسي وإنساني بين الزوج والزوجة، وهو مبني على هذا الأساس.
وقد شدد التعريف الأسري على ضرورة أن يكون هناك التقاء في القيم الاجتماعية والإنسانية بين الرجل والمرأة لإنجاح الزواج، ولهذا فقد انشغل العديد من المنابر بإثارة مسألة الزواج بأجانب، والتي يطلق عليها جزافاً مصطلح الزواج المختلط.. وهو في اعتقادي مفهوم خاطئ، لأنه يستدل منه على غير المعنى المقصود..
فعلماء الأنثروبولوجيا الثقافية درسوا العلاقات الزوجية في المجتمعات التقليدية في إفريقيا وآسيا وجزر أميركا اللاتينية، فوقفوا على حالات زواج جماعي أطلقوا عليها الزواج المختلط.. ولكن ما يجري الحديث بشأنه في الصحف المحلية هو الزواج بأجانب، وهو حالة أو ظاهرة اجتماعية سالكة في كل المجتمعات البشرية، كما أنها موغلة في القدم..
وتعني أن يتزوج رجل من امرأة ليست من جنسيته أو ديانته أو أصله العرقي، والعكس قد يكون صحيحاً.. والمعروف تاريخياً أن المجتمعات التقليدية والعشائرية تتربى على المحافظة على أصلها العرقي، دفاعاً عن قيمها الاجتماعية وحفاظاً عليها، وعلى عاداتها وتقاليدها الموروثة.. وهو وضع اجتماعي وعرف مازالت تتمسك به هذه المجتمعات..
وطبيعي أن موجات التغيير الاجتماعي والسفر واتساع نطاق التجارة الدولية وتطور وسائل الاتصال، أدت إلى توسيع نطاق العلاقات الاجتماعية والاختلاط بين البشر، وأتاحت فرصاً للتلاقي والحوار وتبادل الآراء والافكار، ومن ثم أصبح ممكنا أن تتطور علاقة امرأة ورجل من جنسيتين مختلفتين إلى طلب الزواج، الذي عادة ما يقابل بالرفض الشديد في المجتمع.. ولدينا الكثير من الأسر التي أعلنت مقاطعة أبدية مع أبناء وبنات، لأنهم أصروا على الزواج خارج نطاق القبيلة أو الوطن..
ومن جهة أخرى، يثار سؤال حول الأجنبي، والوافد الأجنبي في تقديري هو غير العربي، لكن مع هبوب رياح التغيير في عالم أصبح قرية واحدة، لأن التعليم يعمل على كسر الحواجز التي تفصل بين الناس، تزايدت فرص التعارف بشتى أنواع الوسائل، وأصبحت الأعراف الدولية تدعو إلى تقارب الشعوب، ولهذا يتم التمثيل الدبلوماسي بين الدول لزيادة العلاقات والمصالح المتبادلة..
وعلى ذات المنوال صار الزواج بالآخر مقبولاً في المجتمعات غير التقليدية، حسب القرب أو البعد من المناطق التقليدية المغلقة، التي تحكم أفرادها ضوابط اجتماعية صارمة، يتعذر على الفرد تجاوزها أو التمرد عليها. علمياً، لم يثبت بشكل قاطع أن الزواج بأقرب الأقربين يؤدي إلى الوفاق والرضى الزوجي، كما لم يتأكد بشكل قاطع أن الزواج بأجنبي مصيره الفشل المحقق..
فبقدر وجود نسب مقدرة لزواج مواطنين انتهت بالطلاق، هنالك ما يفيد بأن الزواج بأجنبي مصيره الفشل، ولكن هنالك تجارب ناجحة في الحالتين، مع ترجيح فشل الزواج بأجنبي إذا بقي الزوجان في بلد المنشأ، حيث يزيد الضغط الاجتماعي، ولعل ذلك ما يفسر اختيار البعض لإتمام مراسيم الزواج والإقامة خارج الوطن، بعيدا عن مناطق الرفض الاجتماعي.
ويرى العديد من المعنيين بالدراسات الأسرية، أنه من المرحب به أن يتزوج الشخص من بيئته ومجتمعه، لأن التقارب الفكري والثقافي يساعد على التوافق والرضى الزوجي.. ومع ذلك يبقى الزواج مسألة شخصية للغاية، لكن المجتمع أحد أطرافها. وفي جميع الأحوال، يبقى الزواج “حالة خاصة” لا تخضع لمعايير أو مؤشرات قياس مطلقة…
فالزواج حالة أو ظاهرة اجتماعية، ويتم عبر قناعة فردية مشروطة بقبول اجتماعي، وتحكمه أعراف وتقاليد موروثة من الصعب عصيانها أو التمرد عليها، ولهذا لا يتم الزواج إلا بعقد وشهود وحضور اجتماعي مكثف ليكتسب مشروعيته.. والزواج المختلط رغم كثرة معارضيه، لا يمكن منعه أو تحريمه بقانون لأن سبل التحايل عليه عديدة، والأمثلة عديدة لمسميات بديلة يتم الترويج لها للخروج على المعايير الضابطة والمانعة.. وما دام لا يمكن منع الزواج بأجنبي، أرى أن أحد الحلول هو أن يتم تنظيمه وضبطه..
وها هي الشبكات الاجتماعية فتحت أبوابها للشباب لتبادل الأحاديث والصور والأفكار بعيداً عن عيون الأهل، مما يزيد من فرص الزواج بالآخر.. لذا فالمنع ليس حلاً، بدليل أن العديد من دول المنطقة سارعت بسن تشريعات “لتنظيم” حالات الزواج بأجانب.