أفضل المقالات في الصحف العربية
إيران وأميركا.. ونبرة حديث مختلفة!
اختتمت جولة المحادثات الأخيرة بشأن الملف النووي الإيراني، التي جرت في العشرين من فبراير (شباط) في العاصمة النمساوية فيينا، أعمالها بطريقة أثارت دهشة المراقبين، حيث وافقت إيران والقوى الكبرى، خلال تلك المحادثات المهمة والدقيقة والشاملة في الوقت نفسه، على إطار عمل للوصول إلى اتفاق نهائي يأمل الجميع توقيعه خلال الأشهر الأربعة المقبلة.
وقالت كاثرين أشتون، منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي: «لقد كانت ثلاثة أيام مثمرة للغاية، حيث حددنا خلالها جميع القضايا، التي نحتاج إلى معالجتها حتى يجري التوصل إلى اتفاق شامل ونهائي».
وقد ظهرت تلك النبرة الإيجابية أيضا في كلام محمد جواد ظريف، وزير خارجية إيران، الذي قال: «يمكننا التوصل إلى اتفاق مجموعة 5+1 خلال المحادثات بشأن البرنامج النووي الإيراني».
وقد عقدت جولة المحادثات الأخيرة بعد يوم واحد من الخطاب العاصف الذي ألقاه المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، حيث قال إنه غير متفائل بشأن المحادثات لكنه – في الوقت ذاته – ليس ضد المفاوضات. وقد جاءت تلك التصريحات العاصفة على خلفية غضب خامنئي بسبب تصريح الإدارة الأميركية بأنها ستناقش بعض القضايا الأخرى خلال المحادثات النووية.
وكان جاي كارني، المتحدث باسم البيت الأبيض، قد صرح أنه «يتعين على الإيرانيين أن يتعاملوا مع الأمور المتعلقة ببرنامج الصواريخ الباليستية الخاص بهم، الذي يخضع لقرار مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة والذي يعد، حسب خطة العمل المشتركة، جزءا من مفاوضات الاتفاق الشامل والنهائي».
وتعد الولايات المتحدة وحلفاؤها صواريخ إيران جزءا من التهديد النووي المحتمل الذي تملكه طهران، وعليه فينبغي مناقشة مسألة الصواريخ الإيرانية خلال المحادثات بشأن اتفاق نووي دائم مع إيران، لكن إيران تقول إن الصواريخ الباليستية هي جزء لا يتجزأ من نظامها الدفاعي وليس لها علاقة بالمحادثات النووية.
وكنت قد سألت جون ليمبرت، وهو دبلوماسي أميركي كان يعمل سفيرا للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة خلال فترة الرئيس السابق جورج دبليو بوش، عما إذا كان من الممكن التوصل إلى اتفاق نهائي مع إيران من دون أن تتبنى القوى الست قرارا بشأن برنامج إيران النووي.
فأجاب ليمبرت: «ما يدهشني حقا هو التغير الكبير في لهجة هذه الاجتماعات، فقبل بضعة أشهر كان الجميع يتبنى مواقف مسبقة ضد الآخر، ويرفض كل طرف ما يقترحه الطرف الآخر، ثم يدخلون في مناقشات لا نهاية لها حول مكان وزمان الاجتماع المقبل. أما الآن، فيصف الطرفان اللقاءات بأنها جادة ومهنية».
وصرحت ويندي شيرمان، وكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية ورئيسة فريق المفاوضين الأميركي في المحادثات النووية بين إيران والقوى الدولية الست (مجموعة 5+1)، قد قالت السبت، 22 فبراير (شباط)، إن الهدف من المفاوضات التوصل إلى اتفاق دائم مع إيران بحلول العشرين من يوليو (تموز) المقبل. وقد جاءت تصريحات شيرمان خلال مؤتمر صحافي في القدس خلال زيارتها لإسرائيل لإطلاع الإسرائيليين على نتائج الجولة الأخيرة من المحادثات مع إيران. وفيما يبدو تحذيرا موجها لإسرائيل، قالت شيرمان إن الولايات المتحدة تأمل ألا يتدخل أحد في المحادثات.
ويمكن أن تفهم تصريحات شيرمان في سياق حرص الرئيس أوباما على غلق ملف إيران النووي في أقرب وقت ممكن قبل أن يتدخل المحافظون في إيران للتأثير في المحادثات أو تتغير الإدارة الأميركية. وقبل يوم واحد من انطلاق جولة المباحثات الأخيرة، مهد آية الله خامنئي الأرض لسحب فريق المفاوضين الإيراني إذا أصرت الولايات المتحدة على إثارة قضية «الموضوعات المرتبطة» بالملف النووي خلال المحادثات أو هددت إيران. وبالفعل، جرى التعامل بشكل جيد مع المخاوف التي أعرب عنها المرشد الأعلى، حيث قالت شيرمان: «سيكون من الأهمية بمكان أن يتوفر لمفاوضينا وشركائنا المجال لإنجاز هذا الأمر بالطرق الدبلوماسية. المحادثات مع إيران ستكون صعبة ونحن لا يمكننا أن نتحمل أن تصبح أكثر صعوبة».
ولسعادتهم باللهجة الجديدة والنهج الدبلوماسي الذي تبنته الولايات المتحدة أخيرا، قامت الصحف الإصلاحية الإيرانية بنشر صورة شيرمان على صدر صفحاتها الأولى. وقالت الصحف: «في قلب إسرائيل، جرى الاعتراف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم».
وكانت شيرمان قد قالت خلال المؤتمر الصحافي في القدس إن برنامج إيران النووي يجب أن يبقى «محدودا ومقيدا ومراقبا، وينبغي التحقق باستمرار من سيره في الطريق الصحيح». والسؤال الآن: هل ستقدر إيران، لا سيما المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، هذا التغيير في لهجة أميركا؟
يقول ليمبرت: «أنا لا أعرف ما إذا كان البعض سيقدر مثل ذلك التغيير، لكن من وجهة نظري، وخاصة من منظور الولايات المتحدة، يبدو هذا التغيير تحولا جذريا بعد 34 سنة لم تشهد أي نوع من الاتصال إلا تبادل الاتهامات».
ومن المقرر أن يجري الاجتماع المقبل بين إيران ومجموعة 5+1 على مستوى نواب وزراء الخارجية في السابع عشر من مارس (آذار) في العاصمة النمساوية فيينا.