كتاب 11
المرشح لرئاسة مصر
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية وهو الاستحقاق الثاني للشرعية السياسية الجديدة في مصر، عبارة لافتة للرئيس المصري عدلي منصور الذي أدار بعضاً من ملامح المرحلة الانتقالية بعقلية القاضي الهادئ الذي يزن الأمور بميزان العدل، وبعقلية السياسي الذي فرضه عليه أعلى منصب سياسي بكل تحدياته، ولو أردنا إيجاز هذه الفترة من رئاسته، يمكن القول إنه أدرك ماذا تعني الرئاسة بقوله: “إن الرئيس ينبغي أن يكون على قدر مصر لا العكس” وهذا هو الخطأ الكبير الذي وقع فيه “الإخوان” إذ إنهم أرادوا قلب معادلة الرئاسة في جعل الرئاسة على قدر “الإخوان” .
هذه الكلمة ليست مجرد شعار، مصر هوية شاملة ممتدة، وحضارة، ودور، ومكانة، وحقيقة سكانية تغوص في أعماق التاريخ، ترفض التبعية، وهذا الذي يفسر لنا المحاولات الدؤوبة للسيطرة على مصر، وسلبها دورها الريادي . الشخصية المصرية شخصية طاردة للاستعمار والقوى المسيطرة، ولا تقبل الخضوع، ومصر أيضاً ثورة من أجل العدالة ومحاربة الفساد والهيمنة الخارجية . فلا يكفي أن يتحدث أي مرشح للرئاسة عن هذه الدلالات بشكل مطلق ومجرد بعيداً عن الواقع، فالحديث عن الدور الحضاري يعني استكمال هذا الدور بما يتوفر لمصر من قدرات كبيرة، تحتاج فقط إلى رؤية ومشروع تنموي بأهداف واضحة، وأياد مصرية نظيفة .
والحديث عن الدور والمكانة يعني توفير كل عناصر القوة الشاملة، وتقليل الاعتماد على الخارج وبناء النموذج القدوة في الحكم والبناء السياسي والاقتصادي والفكري والثقافي . والحديث عن الهوية يعني التأكيد على مفهوم الهوية المواطنة الواحدة التي تحتضن كل المصريين والتي تستوعب وتحتوي كل الهويات الأخرى في ظل من التسامح والانفتاح على كل الهويات الأخرى .
ستكون التحديات بالنسبة لأي مرشح للرئاسة أكثر صعوبة، فالفارق بين المشير السيسي كمرشح للرئاسة وغيره من المرشحين وكلهم في سلم الوطنية سواء، أن سلم التوقعات من المواطن المصري العادي بالنسبة للسيسي أكثر وأكبر، فالمواطن المصري يتوقع الكثير منه، وكأنه يحمل عصا سحرية بيده يحقق بها كل المطالب، وهذا العصر انتهى ولم يعد قائماً، فالسفينة المصرية تحتاج في هذه المرحلة إلى قائد مخلص ولديه الرؤية والأهداف الواضحة، وليس خيالياً، لكن من حقه أن يكون مثالياً حالماً، فالكل يحلم بمصر القوية، والقائدة والنموذج التي تقود ولا تقاد . هذا هو الفارق بينه كمرشح وبين غيره من المرشحين، وهذا يجعل المهمة أصعب والتحدي أكبر، وفي النهاية هو إنسان له حدود وقدرات .
ولعل أول التحديات التي تواجهه هو أن ينتصر على نفسه وأن يبقى المواطن المصري العادي القريب من نبض المواطن المكافح، والقريب بصورته التي لم تصلها مفاتن السلطة ومغرياتها، أن ينتصر على نفسه كإنسان أمام هذا الحب الكبير، وأمام هذه الثقة اللامحدودة التي يمنحها شعب لأول مرة لإنسان قبل أن يصبح مرشحاً أو رئيساً . هذا التحدي هو الذي يحول دون الفساد ودون التسلط، ودون الغرور، ودون الاستعلاء، أي أن يبقى مفهوم الإنسان لديه دائماً يسبق مفهوم الحاكم .
أما التحدي الثاني هو امتداد للتحدي الأول وهو تحدي الحكم نفسه، فعليه أن يفند نظرية الحكم العسكري وأن يبرهن على الدور الوطني والدستوري والديمقراطي للجيش المصري، وأن يدحض مقولة الانقلاب العسكري، وذلك بالتأكيد على طبيعة الحكم المدني والتأكيد على حكم المؤسسات وليس حكم الأشخاص، وأن يثبت أن الجيش لم يكن في أي يوم ساعياً لحكم بقدر ما تفرضه الظروف .
هنا المهم أن يؤكد على مدنية الحكم، وعلى الهوية المدنية، وعلى الدستور المدني، على التوافق بين مفهوم الدولة المدنية التي لا تتخلى عن الدين كأحد أهم مكونات الشخصية المصرية، وفي تحدي الحكم تبرز تحديات كثيرة تتعلق بعدالة القضاء، وسيادة القانون وحماية منظومة الحقوق والحريات التي يقوم عليها الدستور المصري .
والتحدي الثالث وهو التحدي الآني الذي تفرضه شخصيته العسكرية والأمنية ويتمثل بمحاربة العنف والإرهاب الذي يضرب حياة المواطن المصري العادي، ويمس هيبة مصر الدولة .
وهذا التحدي وإن كان يحتاج إلى قرارات صارمة، فلا بد من رؤية مجتمعية اقتصادية أمنية قضائية، وقانونية للتصدي له، وهو تحدي الجميع وليس تحدي الفرد فقط . وتستمر التحديات في حلقة لولبية تجعل من الصعوبة بمكان القول إن هناك تحدياً رئيسياً إلا بالقول إن السيسي المرشح وفي حال فوزه يأتي في ظل بيئة تحد، يأتي في أعقاب ثورتين، وبعد سقوط نظامين للحكم ولا يمكن للعقل البشري تصور سقوطهما بهذه السهولة، ولذلك المطلوب منه تقديم نموذج للحكم يتسم بالديمومة والتأسيس للجمهورية الثالثة بمؤسسات مدنية قوية، ودستور أكثر ديمقراطية وتوافقية .
التحديات كبيرة وكثيرة منها المشروع القومي في كافة المجالات التعليمية والتكنولوجية والنووية السلمية والاقتصادية ومحاربة الفقر والبطالة، وتلبية حاجات المواطنين السريعة . كل هذه التحديات تحتاج إلى وقوف الكل وراء المرشح الذي سيفوز، لأن من حق الشعب المصري أن تتحقق أهداف ثورته .