كتاب 11
الحالة الوطنية تتطلب أن يكون السيسي رئيسا
التوقعات في مصر كثيرة، كاستقالة الحكومة، أو ترشح المشير عبد الفتاح السيسي لمنصب رئاسة الجمهورية، أو أن الاقتصاد تعب جدا، وأن «الإخوان المسلمين» يعرفون أن سقوطهم في مصر أدى إلى إرباك كل فروعهم في الدول التي تتبنى عقيدتهم، وترفع لواء إعادتهم ولو بالقوة إلى قمة السلطة.
من هنا نشاهد القائمين على واقع الدولة المصرية ومستقبلها يخوضون حربا ضد إرهاب مدعوم من دول خارجية لا تزال تسعى إلى إفشال مصر وإيقاعها في سيناريو شبيه بما جرى في ليبيا أو ما آلت إليه الأوضاع في سوريا. إنها الدول نفسها التي تريد إفشال أنظمة جديدة أو قائمة، وإظهارها بأوضاع فوضوية ومتآكلة، مما يتيح الأمر لتنظيم مثل تنظيم «القاعدة» أو «داعش» أو تنظيم ميليشياوي يفتت الأرض والبشر فيما يتوغل هو محاولا إعادة العصور الظلامية، حيث الداخل فيها مفقود والخارج منها إما ميت أو مولود.. لكن الإرهاب المتنقل في مصر صار مكشوفا وعجز عن إغراق المجتمع والبلاد في أتونه، والوضع السياسي الطبيعي قائم، وهناك تحرك نحو انتخابات رئاسية قريبة، وقد تكون استقالة الحكومة بمثابة أول تحرك جدي نحو تلك المرحلة.
المنصب الرئاسي مغر، ففي الأسبوع الماضي صرح المرشح للرئاسة المصرية حمدين صباحي لصحيفة «التايمز» اللندنية بأنه إذا انتخب رئيسا فسوف يبقي على المشير السيسي وزيرا للدفاع. طبعا الأمر ليس بهذه البساطة، حتى إن البعض فسره على أنه تكتيك لجذب الأصوات المترددة التي تقدر وتحترم السيسي، لكنها لا تشعر بأنه يجب أن يخوض المعترك الرئاسي.
أيضا سامي عنان رئيس الأركان السابق أعلن ترشيح نفسه للرئاسة، وقد يحصل على أصوات «الإخوان المسلمين»، هذا إذا لم يترشح سليم العوا المفكر الإسلامي الليبرالي.
لكن يبقى السؤال الذي يتردد على ألسنة الكثيرين، وهو: لماذا يريد السيسي أن يترشح، مع العلم بأنه حسب الدستور الجديد فإن السلطات ستبقى بيد القيادة العسكرية؟
يقول أحد العارفين في خفايا الوضع المصري، إنه لا خيار آخر أمام السيسي. فهو يعرف تماما أن شعبيته بلغت ذروتها بعد تحرك 30 يونيو (حزيران) الماضي، وأنها سوف تبدأ في الانخفاض في اللحظة التي يعلن فيها ترشحه، وأنه بالتالي سينزل من وضع «الشخص الذي لا يمس»، إلى وضع الإنسان العادي الذي سيرتكب أخطاء وسيتعرض للانتقاد.
الوضع الاقتصادي المصري في حالة يرثى لها، ثم إنه لا السيسي ولا صباحي ولا حتى أكبر رجال الاقتصاد في العالم يمكنه تحقيق نتائج ملموسة قبل خمس سنوات على الأقل، أي بعد الفترة الرئاسية الأولى. الخطوة الذكية في هذه الحالة ألا يترشح السيسي الآن، وينتظر فترة خمس سنوات، لكنه وطنيا يجب أن يترشح الآن لأن ما يحتاجه المصريون هو الوحدة، فهو المرشح الوحيد القادر على الحصول على أغلبية الأصوات، وإنهاء السباق الرئاسي من الجولة الأولى.
هناك ثلاثة عوامل ستحدد مستقبل مصر: الاقتصاد، والأمن، والقدرة على الاندماج الاجتماعي. وأظهرت الدراسات أن الأمن هو الشاغل رقم واحد عند المصريين، يليه الاقتصاد، ثم الاندماج الاجتماعي، ويبدو أن الجهات الرئيسية الفاعلة في مصر تعمل تماشيا مع هذا المفهوم وعلى القضايا الثلاث بالتزامن.
«الإخوان المسلمون» و«حركة 6 ابريل» يقولون إن فقدان عامل الخوف دفع بالشعب للمطالبة بالإطاحة بالرئيس حسني مبارك، لكنهم يزعمون في الوقت نفسه أن «هناك مستوى غير مسبوق من الاستقطاب وعودة سريعة إلى أساليب الدولة البوليسية لزرع الخوف من جديد في قلوب المصريين»، مقابل هذا ترى أغلبية المصريين الحاجة إلى تطبيق قوانين أكثر صرامة، وبالتالي لا يوجد استقطاب في ما يتعلق بالأمن أو في التعامل مع الإرهاب وتطبيق القانون. المعضلة أن الأوضاع الأمنية تؤثر على الاقتصاد المصري، وعلى الاستثمار الأجنبي، ومن هنا سيكون السباق شرسا.
فهل شعبية السيسي تؤهله للتغلب على هذه المعضلة الخطيرة؟ المؤكد أن شعبية السيسي ليست غير مشروطة، ورغم أن بعض الذين يحبونه لا يريدونه أن يترشح، فإن آخرين سيبدأون في انتقاد أعماله عندما سيصبح رئيسا. لكن من المهم الإشارة إلى أن المصريين على استعداد، مع السيسي، أن يتقبلوا الظروف السيئة لفترة أطول إذا كان هو الرئيس، بمعنى إذا افترضنا أن المصريين مستعدون أن يعطوا صباحي فرصة بضعة أشهر لإصلاح الأمور، فإنهم قد يعطون السيسي بضع سنوات، مما يؤكد أن ما يجذب السيسي لمنصب الرئاسة ليس السلطة إنما واجب وطني، هذا على الأقل ما يفكر فيه المصريون. هو يدرك هذا الأمر كما يبدو، ويعمل منذ مدة انطلاقا من توقعات الشعب المصري المرسومة على رئاسته، لذلك يعمل على كسب ثقة المملكة العربية السعودية، والكويت، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وتقديم الدعم قبل أن يتخذ القرار بترشيح نفسه ليخفض مخاطر فشل الاقتصاد عندما يصبح رئيسا. من جهة أخرى على السيسي أن يكون صريحا مع الشعب ويطلب منهم العودة والانكباب على العمل، فلا هو قادر، ولا أي حكومة قادرة، على جعل مصر تقف على قدميها بقوة. حان الوقت كي يتحرك المصريون، وقد يكون هذا أكبر تحد سيواجهه «الرئيس المشير».
تطالب أصوات في الخارج بضرورة أن يكون ضمن خريطة السيسي التوصل إلى اتفاق مع «الإخوان المسلمين» مع شروط محددة. لكن مصر أعلنت «الإخوان» منظمة إرهابية، ثم من المشكوك فيه أن «الإخوان» بتركيبتهم الحالية يمكن إدراجهم في أي اتفاق. أمامهم أمران؛ إما معاودة الظهور تحت مظلة سياسية جديدة، كما حاولوا مع «حزب الوسط» على سبيل المثال، فيضمون وجوها جديدة لا سجلات جنائية تدينها، أو يكررون أسلوبهم على مدى تاريخهم المصري في محاولة المصالحة مع النظام. هذه المرة الوضع مختلف، لأنه يتطلب اعتذارا رسميا وإجماعا وطنيا من أجل إتمام المصالحة. على كل، «الإخوان» في مأزق، وهذا ما كشف عنه الدكتور كمال الهلباوي («صالون الحرية» على التلفزيون المصري) المتحدث السابق باسمهم، حيث أكد أن قطر تستعد لطرد العديد من قادة «الإخوان» الذين فروا إلى الدوحة بعد الإطاحة بمحمد مرسي (يعتقد أنه سيتم إرسالهم إلى لندن)، وأن تنظيم الإخوان يعاني من خلافات داخلية كثيرة خصوصا في أوساط «الشباب» وهذا «يسبب ذعرا للقيادة».
ولأن الوضع الأمني هو القضية الرئيسية في مصر، يحذر بعض المراقبين من سيناريو قبيح يمكن أن يبتلع مصر: دورة طويلة من العنف ما بين الدولة و«الإخوان المسلمين» في ائتلاف محتمل مع التيارات الإسلامية المتشددة. أن يحدث هذا فإن مصر ستصبح غير قادرة على الحكم، وستنهار المؤسسات، وتتحول إلى دولة فاشلة. لكن لا أحد في مصر يدعي أن الصراع مع «الإخوان» والمتشددين الآخرين لن يكون طويلا. مرت مصر بمثل هذا الوضع في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وتغلبت عليه، وستتغلب عليه اليوم لسببين؛ أولا بالتأكيد أن النسبة المتعاطفة مع الإسلاميين هي اليوم أقل مما كانت عليه في السابق، كما أن شعبية السيسي اليوم تفوق بأضعاف شعبية النظام الماضي في التسعينات. ثانيا ومن حظ المصريين اليوم أن كل الحركات التي كانت تحت الأرض زمن النظام السابق استمدت قوة خلال حكم مرسي وخرجت إلى العلن مما سهل على السلطات اعتقال قادتها والكثير من مقاتليها.
أما بالنسبة إلى ما يجري في سيناء، وحسب مرجع مصري أمني، فإن الجيش قادر على إنهاء التنظيمات الإرهابية كلها في غارات قليلة، إلا أن الأضرار الجانبية لن تكون مقبولة، لذلك تفضل المؤسسة العسكرية تحمل وقوع إصابات في صفوف جنودها عبر غارات محدودة، على قتل مصريين أبرياء. ومن أجل الأمن والحاجات العسكرية الآن، ولاحقا لأبعاد مختلفة، ثم بعد الانتقادات والمواقف الأميركية، بدأت القيادة المصرية تبحث عن تحالفات دولية جديدة مع إدراكها أنها لا تستطيع تجاوز التزاماتها وواجباتها الدولية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. إنه أمر طبيعي محاولة تنويع المصادر، خصوصا في حالة مصر، لا سيما أن المصدر الأساسي صار يصعب الوثوق به. في حالة مصر ومن مفهوم سياسي بحت، ثبت أن السلطة المطلقة تفسد، ولفترة طويلة كانت الولايات المتحدة السلطة المطلقة. لكن مصر لا تستطيع العودة والاعتماد كليا على موسكو وبكين، على الأقل في الوقت الراهن، وهي تنطلق لتخط فصلا جديدا من تاريخها.