كتاب 11

09:38 صباحًا EET

الاستقالة خطوة ذكية لإعادة ترتيب الشارع المصري

 كما يقال عادة «رأس المال لا يكذب»؛ إلا أن المثير ارتفاع البورصة المصرية عقب إعلان الدكتور حازم الببلاوي استقالته هو وحكومته، التي لم تدم أكثر من ثلاثين أسبوعا، وهو ما يعني «سياسيا» شعور رأس المال وما يمثله من عامل استقرار اقتصادي بأن ثمة بادرة أمل جديدة في مصر ولدت مع استقالة الحكومة، على العكس تماما من كل تحليلات المؤامرة التي تبدأ بأن ذلك جزء من مخطط التخلص من حكومة «الانقلاب» على الشرعية (وحده الإسلام السياسي القادر بقواعده الشعبية على تخليد لحظة سياسية عابرة، جرى تجاوزها من خلال ماكينته الدعائية).

ويظل السؤال: لماذا استقالت الحكومة في هذا التوقيت ولم تنتظر ترشح المشير السيسي؟

في هذا السياق ينبغي علينا ونحن نقرأ الحدث سياسيا أن نخلع عباءة «الرغبوية» التي تجعلنا نقع في فخ التبسيط، ونعود للوراء قليلا مع تشكل الحكومة التي وصفت بحكومة الأيادي المرتعشة في إشارة إلى شيخوختها السياسية، كما يقول خصومها، وخبرتها العريضة كما تنظر هي إلى نفسها، لكن المهم أن أداءها الاقتصادي جاء مخيبا للآمال في بلد يقوم منذ الحقبة الناصرية على إشكالية في هوية الدولة الاقتصادية المتأرجحة بين بقايا الاشتراكية المعدلة ونزعة يمينية متحفظة، أسهمت هذه الحكومة بحكم توجه الببلاوي في تكريسها، وهو ما اصطدم أيضا بعقبة أن الموازنة العامة للدولة المصرية التي تتكئ عليها حكومة الببلاوي هي امتداد للموازنة في حكومة الإخوان التي قادها هشام قنديل، وهو ما يعني امتدادا للفشل في الإصلاح الاقتصادي وإعادة هيكلة المؤسسات العامة، ودعم مناخ الاستثمار، وهي محددات مهمة لم تنجح فيها الحكومة بسبب الهاجس الأمني والمواجهة مع الرمق الأخير لجثة «الإخوان» السياسية التي يصر أتباعها ومحبوها على تأجيل مراسم العزاء والتأبين.

وبالطبع إذا صدقت التوقعات بترشح المهندس إبراهيم محلب لتولي رئاسة الوزراء فهو استدعاء لأفضل ما في مرحلة الرئيس مبارك، وهو الازدهار الاقتصادي (بالطبع الانزلاق هنا لمصطلح الفلولية جزء من التفسير الرغبوي الذي يعاني منه قارئو الحالة المصرية)، لا سيما إذا علمنا أن محلب هو الاسم الثاني عقب جمال مبارك في لجنة السياسات إبان عهد مبارك. هذا الاستدعاء لأفضل ما في تلك المرحلة من حيث سياسات التوازن بين الحقوق العمالية والأجور، وبين فتح المجال لاستقطاب استثمارات نوعية للبلد، هو بالضبط ما فشلت فيه حكومة الببلاوي، واضطرت للاستقالة أو الإقالة لا فرق على خلفية الاضطرابات العمالية والفئوية والجهوية في ما يخص الحد الأدنى للأجور، عدا إشكالات الكهرباء والخدمات، وهي قضايا تمس الحياة اليومية للمصريين في أكثر الفئات تمثيلا، وعليه فمهما نجحت حكومة الببلاوي في الجانب الأمني، وإعادة الثقة للمجتمع الدولي بالدولة المصرية بعد السقوط المدوي للإخوان، فإن تأثيرات ذلك على الحياة اليومية تظل منخفضة إذا ما قورنت بالخدمات والحالة الاقتصادية.

من الناحية السياسة فإن استقالة حكومة الببلاوي هي إعادة إنتاج لشعبية عبد الفتاح السيسي، رغم كونه جزءا من الحكومة المستقيلة، لأسباب كثيرة أهمها إفساد التصورات التي لا يطرحها الإخوان والمتعاطفون معهم فحسب؛ بل انتقلت عدواها إلى عدد من الأحزاب السياسية ومجموعات شباب الثورة حول تأثير حكومة الببلاوي على انتخابات الرئاسة، لا سيما بعد أخطاء جسيمة وقعت فيها الحكومة وأعضاؤها تصريحا وتلميحا، ومباركتهم لترشح المشير السيسي، وهو ما ينافي طبيعة العملية الديمقراطية التي تستلزم حياد الحكومة تجاه السباق الرئاسي.

الشعب المصري أدرك بوصلة الطريق، وبشكل يدعو للدهشة، لكنه بحاجة إلى حكومة شفافة تلتفت إليه وإلى مطالبه، وتحسن من أوضاعه الاقتصادية، وبالتالي يجب على الحكومة المقبلة تجاوز أزمة سابقتها والتركيز على الإصلاح الاقتصادي، الذي سيكون أهم إكسير لتجاوز تجربة الإخوان السلبية، والتي يشعر الشارع المصري بـ«الفوبيا» من تكرارها في كل مرة يعلن فيها الحديث عن مصالحة سياسية، وهو ما يتطلب قراءة جديدة لمستقبل الإسلام السياسي في المنطقة والآثار المترتبة على خروجه بهذه الطريقة من المشهد، إذا ما أدركنا أن أهم معضلة هي تداخل الديني والسياسي في حالتنا العربية وبشكل يدعو إلى اجتراح البدائل، وأهمها الإصلاح الديني وإنتاج خطابات جديدة، وهو ما لم ألحظ أي مبادرات حقيقية وجادة بشأنه حتى اللحظة التي نعيش فيها تحولات ضخمة لا تقل عن «الربيع العربي» ذاته.

التعليقات