مصر الكبرى

05:46 مساءً EET

هل الفيلم المسئ هو تمهيد للهجوم على سيناء؟

أولاً أسلوب الطرح والمعطيات
أسلوب الطرح يعتمد على مبدأ "افترض الأسوأ وتصرف على أساسه". قد يقول البعض: إذاً هي نظرية المؤامرة. أنا لا أفهم كثيراً هذا المصطلح ولكن ما أراه هو أن العالم حالياً هو عالم من المصالح، على مستوى الأفراد أو الكيانات أو الدول، وكلٌ يسعى لتحقيق مصالحه.

عندما تتضارب المصالح قد تحدث عداوات، وعندما يعتمد تحقيق مصلحة الفرد أو الكيان أو الدولة على فرد أو كيان أو دولة أخرى تحدث الشراكات. وبما أن نسيج المصالح هو نسيج معقد ومتشابك فإن النجاح يعتمد على قدرة الفرد أو الكيان أو الدولة على تحقيق مصالحها دون خلق عداوات غير مجدية، مع الحفاظ دائماً على قنوات من التواصل مع الأطراف المختلفة.الفكرة ببساطة هي إن الفرد أو الكيان أو الدولة عند وضع خطط بناء المستقبل ينبغي عليه أن يرصد كافة المعطيات الخارجية من تهديدات وفرص ويقوم بتحديد كافة الاحتمالات.يعتمد طرحي على فرضية أن اسرائيل ترى أن الوقت مناسب لإعادة السيطرة على سيناء وتمكين الفلسطينيين من سيناء الشمالية وتحويل جبهة المواجهة من اسرائيلية-فلسيطينية إلى فلسطينية-مصرية، وأن السياسة الاسرائيلية هي دائماً سياسة النفس الطويل التي تعتمد على السير بخطوات صغير مع سياسة عدم التدخل المباشر واستثمار نواقص الأعداء.كانت الفرص المتاحة أمام اسرائيل هي: من ناحية، قيام المجلس العسكري بتصعيد التيار الإسلامي على الساحة السياسية بسماحهم بقيام احزاب دينية مخالفةً للقانون القائم حالياً- والذي كان ينبغي احترامه وإن اعترضنا عليه حتى يتم تعدليه – ووضع قانون انتخابي أطاح بمجلس الشعب فيما بعد.ومن ناحية أخرى، افتقار التيارات والاحزاب سياسية إلى النضج الكافي لبناء شبكة المصالح القادرة على تمكين الثورة من الحكم. من الغباء افتراض أن من حولنا لا يقومون برصد وتحليل أوضاعنا لتحديد الخطوات الواجب القيام بها لتحقيق مصالحهم. كما إنه من الغباء توقع عدم قيام الكيانات الخارجية ذات المصالح باستغلال حالة السيولة الشعبية الحالية في ظل غياب الأجهزة الأمنية "المحترفة" و"الوطنية"، لأن المؤسسات الأمنية الحالية أبعد ما يكون عن المهنية وعدم وجود جهات لتقييم الأداء قادرة على اتخاذ اجراءات صارمة حال وجود خلل بالأداء يجعل هذه المؤسسات تبتعد عن خدمة مصالح الوطن بل وقد تلحق به، سواء عن عمد أو غير عمد، أضراراً جسيمة. إن التهاون في إعادة بناء المؤسسات الأمنية والعدالة البطيئة، الغير منصفة في كثير من الأحيان، يعظم من شعور المواطن أنه لن يحصل على حقه سوى بمواجهة هذه المؤسسات الظالمة ويجعله يبيح لنفسه الاستمراء عليها.إن هذه السيولة الشعبية التي كانت خلال 18 يوماً العنصر الضاغط الذي انتهى بخلع مبارك يمكن التلاعب بها الآن لخدمة أهداف أعداء مصر (ليس معنى كلامي أنني لا أدرك أهمية المظاهرات، بل على العكس، عشت لسنوات في فرنسا وأدرك جيداً أهمية الضغط الشعبي).الخلاصة هي أنه في ظل سياسة المجلس العسكري الساعية على المحافظة على مكتسبات انقلاب 1952 الاقتصادية والسياسية، ولو على حساب وحدة أرض الوطن، تمكنت التيارات الاسلامية الجهادية من التوغل والانتشار في سيناء حتى أصبحت لها قواعد هناك. وفي نفس الوقت،وصل الأخوان المسلمون للحكم بمباركة من أمريكا البرجماتية التي وجدت أن التواصل مع الأخوان ممكناً بل وقد يكون أكثر فائدة لها. غير أن استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية وعدم إعادة بناء المؤسسات الأمنية ساعد على استمرار حالة السخط والسيولة الشعبية التي أعتقد أنه من المنطقي توقع استخدام اسرائيل لها للقضاء على الصورة الإيجابية للثورات العربية في ذهن الغرب وخاصة الأمريكان الذين أغرموا بالثورة المصرية، فهذه هي الخطوة الأولى في الطريق لاسترداد سيناء.أنا لا اتهم أحد بالعمالة المباشرة لإسرائيل فعدونا هم، من ناحية، الأشخاص الذين وجدوا لديهم القدرة على حشد الجماهير وتوجيهها وزينوا لأنفسهم أعمالهم سواء باعتبارها نصرة للدين أو إعلاء لكرامة الوطن أو خدمة الشعب وهي في منتهى البساطة مجرد استمتاع بالقدرة على حشد الجماهير وتوجيهها، هؤلاء هم أعداء لأنفسهم قبل أن يكونوا أعداء لوطنهم (ولكن هل يدركون أن هناك وطن، أم أن حلمهم بأمة إسلامية جعلهم غير مدركين لخطورة ضياع وحدة الأراضي المصرية وسيادة الدولة على أراضيها)؛ومن ناحية أخرى، الجماهير ذاتها يمكن أن تصبح عدوة نفسها عندما تكونتعاني من تدهور مستوى التعليم ومن أمراض النظم الاستبدادية من أنانية الفرد والتعصب والجمود الفكري والشعور بالظلم العام وغياب العدل الذي يظهر في صورة نوبات غضب وسخط شديدة من حين لآخر (مباراة كرة في السودان، جلد طبيب في السعودية، فيلم مسئ للإسلام في أمريكا (على الرغم من وجود مئات من المواقع التي تظهر الإسلام في صورة سيئة والتي لا يلتفت إليها أحد)). لم نشهد نوبة غضب عنيفة لنصرة بورما أو سوريا لأن محرك نوبات الغضب الجماعية هو شعور الفرد بالأذى على المستوى الشخصي وليس مساندة الإنسانية في ألامها.من الغباء توقع عدم محاولة اسرائيل الاستفادة من هذه النعرة الدينية لتوجيه رسالة للغرب عامة وأمريكا خاصة أن الربيع العربي ليس ربيعاً على الأطلاق بل هو جموح من جماهير مسلمة تعلمت من دينها البربرية والعنف واستباحة قتل غير المسلمين.أعتقد إننا نسير حالياً نحو ضياع سيناء مع وجود تحديات داخلية لن تسمح لنا بصد أي هجوم اسرائيلي وسيتجاهل المجتمع الدولي ما قد يحدث.ثانياً، الوضع الحاليقامت قناة الناس بالدعاية لمقتطفات من فيلم يسئ للإسلام والرسول. لم يشهد هذه المقتطفات خلال شهرين سوى عدة مئات من البشر، وبعد قيام قناة الناس بالتسويق السلبي للفيلم تحت شعار "هبوا لنصرة رسول الله" حققت هذه المقتطفات ملايين المشاهدات (ربنا يستر ولا تدرك المواقع التي تعمل على تشويه صورة الإسلام إن أفضل وسيلة لتسويق محتواها هو الاعتماد على المسلمين مما يضمن لهم أعلى نسبة مشاهدة ووفي نفس الوقت يؤكدوا مزاعمهم أن الإسلام دين لا يحترم الحريات ويحث على العنف والبربرية).من تداعيات دعاية قناة الناس في مصر، قيام جماهير بالهجوم على السفارة الأمريكية في القاهرة وإنزال العلم الأمريكي بما يؤكد عدم قدرة الدولة المصرية على حماية البعثات الديبلوماسية على أرضها. والأخطر هو القيام برفع علم الجهاديين الأسود المكتوب عليه الشهادة. وهو نفس العلم الذي تم رفعه بعد الهجوم على معسكر القوات الدولية في سيناء فيما بعد والذي أكد علىما يتداوله الإعلام عن فقدان الدولة المصرية لقدرتها على حماية أراضيها والبعثات الديبلوماسية لديها وأن من يسيطر حالياً هي الجماعات الجهادية التي تستبيح قتل غير المسلمين وسحل جثثهم مثلما حدث مع سفير أمريكا في ليبيا.إن عدم قيام الشعب الأمريكي بمهاجمة البعثات الديبلوماسية العربية والإسلامية في أمريكا رداً على ما يحدث لبعثاتهم في الدول العربية والإسلامية يرجع إلى إدراكهم أن لديهم دولة لن تسمح بذلك واقتناعهم أن دولتهم قادرة على رد اعتبارهم والانتقام من قتلة أبنائهم. لا أدري لماذا لم تتعرض البعثات الديبلوماسية الإسرائيلية لأي هجوم على الرغم من إن مخرج الفيلم يهودي ويحمل الجنسية الإسرائيلية؟ ولكن ما أود أن أؤكد عليه هو أن الدعاية للفيلم نجحت في:1-    القضاء على الصورة الإيجابية للثورات الربيع العربي في ذهن الغرب2-    تأكيد أن من يسيطر على الأوضاع حالياً هي الجماعات الجهادية3-    إدخال محور القضاء على الإرهاب وحماية الرعايا الأمريكان في الخارج في أجندة الانتخابات الأمريكية القادمة وضمان قيام الساسة الأمريكان بتأكيد حق اسرائيل في حماية نفسها دون خشية التعرض لإنتقادات دولية أو خروج مظاهرات شعبية للتنديد باسرائيل، فصورة جثة السفير الأمريكي لا تزال في الأذهان.4-    التأكيد على أن سيناء أصبحت بؤرة تطرف ومع عدم قدرة مصر حتى على حماية القوات الدولية على أراضيها لن يلقى حول اسرائيل سيناء لحماية نفسها أي اعتراض حال تعرضها لأي قذف من سيناء، وهو ما سيحدث مؤكداً5-    زيادة الفجوة بين المسلمين والمسيحيين في مصر عبر تأكيد الإعلام المصري عن دور عدد من أقباط المهجر في انتاج الفيلم وقيام مسلمين بحرق الأنجيل رداً على حرق القرآن. هذا ينذر أن الهجوم على سيناء قد يصاحبه احداث عنف طائفي لن تسمح للدولة المصرية مواجهة الهجوم.أضف إلى ذلك أن أطراف الأراضي المصرية لا تزال ضعيفة، فأهل النوبة لا يزالوا يعانون وفي نفس الوقت لا يعلم الله ماذا يمكن أن يحدث على الحدود مع ليبيا حيث قتل السفير الأمريكي، فلا يزال هناك أخبار عن تهريب السلاح عبر ليبيا.سيناء ستضيع لأن مصر لا يحكمها من هو قادر على حمايتها. جل ما فعلته الهجمات الأمنية على سيناء هو زيادة سخط البدو من تجاوزات الشرطة في حقهم. القائمون على الأجهزة الأمنية حالياً بالتعاون مع الإخوان والمتاجرين بالدين يسيرون على نفس نهج نظام المخلوع: حماية النظام والاستهتار بسيادة الدولة، لذلك من الطبيعي أن تهاجم الشرطة بمنتهى الحزب شارع النبي دانيال والطلاب المعتصمين وعمال النقل المضربين ولا تواجه بنفس الحزم الهجوم على بعثة ديبلوماسية. سيستمر الأوضاع في التدهور طالما لم يتم إعادة بناء المؤسسات الأمنية ويتم اختيار القيادات وفقاً لمعيار الكفاءة ووضع نظم وإجراءات صارمة لتقييم الأداء.أخشى أن يكون حدوث هجوم على القوات الدولية في سيناء ومديرية الأمن هو بداية لعمليات عشوائية من الشرطة والجيش تزيد من سخط أهلنا في سيناء. هناك تكنولوجيا تسمح بمراقبة ومسح كافة أراضي سيناء والقضاء على بؤر الجماعات الجهادية. الرئيس الأمريكي تابع الهجوم على بن لادن من واشطن عبر القمر الصناعي. عشرون شهراً تقريباً مروا على ثورة يناير تمكنت خلالها الجماعات الإرهابية من الانتشار في سيناء ولم يتم البدء في أي خطة تنفيذية لتنمية سيناء. تولى رئيس منتخب الحكم ولاتزال سياسات المخلوع في اهمال سيناء مستمرة.خلال 18 يوماً ساندنا العالم في ثورتنا على الرغم من أننا مسلمون (قد نحتاج توضيح الدور الذي لعبه الإعلام في ذلك فيما بعد). العالم لا يضطهدنا لأننا مسلمون لأن العالم ببساطة لا يدين كله بدين واحد. العالم تحكمه المصالح. اليابان ليست مسيحية ومع ذلك تمكنت أن تصبح من الدول الكبرى وتحظى باحترام الغرب. العالم يحترم القوي المنتج الذي يساهم في بناء الإنسانية وتقدمها. يجب أن نكف عن الغوغائية وأن ندرك أننا نسير بخطى سريعة نحو ضياع وطننا.

التعليقات