تحقيقات
تاريخ الجيش المصري.. تاريخ المجد والبطولات
حظى الجيش المصرى على مر الأزمان والعصور بمكانة عظيمة واحترام شعبى ودولى كبيرين لتاريخه العريق ودوره الوطنى داخليا واقليميا بل وعالميا، فعلى مدار التاريخ المصرى لم يكن الجيش مجرد أداة للحروب بل كانت المؤسسة العسكرية نواة للتنمية الشاملة وقاطرة التحديث بالمجتمع والبوتقة التى تنصهر بها كل الخلافات الفكرية والدينية والجغرافية محققا الاندماج الوطنى واليد المصرية القوية المتحدة التى حوت امتدادات اقليمية وقومية وعربية.
وقد لعب الجيش دورا لا يمكن تجاهله على مر التاريخ لتطهير الوطن من خونة الشعب سياسيا أو اجتماعيا وكان حريصا على خدمة الشعب والأمة وليس الحكومة السلطوية أو الفساد والطغيان بل كان دوما وسيلة وطنية للتخلص من جرائمهم.
وصدق الرسول الكريم عليه الصلاة و السلام حيث قال : (إذا فتح الله عليكم مصر فإتخذوا فيها جنداً كثيفا فإنهم خير أجناد الأرض و هم في رباط إلى يوم الدين) لذلك كان من الضرورى لنا إلقاء الضوء على لمحات من تاريخ هذا الجهاز العظيم وانعكاسات هذا الدور وتلك المكانة على سياسته الحالية.
تاريخ العسكرية في مصر ..
أقدم الجيوش النظامية في العالم .. يعد الجيش المصرى من أقدم الجيوش النظامية في العالم حيث تأسس قبل اكثرمن 5200 عام ،وقد كان ذلك بعد توحيد الملك نارمر لمصر حوالي عام 3200 ق.م. فقبل ذلك العام كان لكل إقليم من الأقاليم المصرية جيش خاص به يحميه، ولكن بعد حرب التوحيد المصرية أصبح لمصر جيش موحد تحت إمرة ملك مصر.
وكان الجيش المصري من أقوى الجيوش وبفضله أنشأ المصريون أول إمبراطورية في العالم وهي الإمبراطورية المصرية الممتدة من تركيا شمالاً إلى الصومال جنوباً ومن العراق شرقاً إلى ليبيا غرباً، وكان المصريون هم دائماً العنصر الأساسي في الجيش المصري.
ومازالت بعض الخطط الحربية المصرية القديمة تُدَرَّس في أكاديميات العالم ومصر العسكرية.
قيادات ومعارك على مرالعصور ..
وقد قدمت العسكرية المصرية القديمة العديد من القواد العظماء وكان أنبغ هذه العقول العسكرية هو الإمبراطور (تحتمس الثالث) أول إمبراطور في التاريخ وهو الذي أنشأ الإمبراطورية المصرية وفي رصيده العديد من المعارك والحروب, أشهرها معركة “مجدو”والتي ما زالت تُدرَّس حتى اليوم.
والقائد أحمس قاهر الهكسوس و قد شارك الجيش المصري في تحرير مدينة القدس من أيدى الصليبيين في واحدة من المعارك التاريخية على مر العصور ، وكان قائد المعركة البطل صلاح الدين الأيوبي وكان الجزء الأكبر من جنوده من المصريين، بالإضافة إلى ذلك قادت القوات المصرية دورا كبيرا في هزيمة المغول الذين دمروا الدولة الإسلامية العباسية بقيادة القائد قطز.
اقسام الجيش قديما ..وقد كان الجيش المصري قديما يتكون من الجيش البري (المشاة والعربات التي تجرها الخيول والرماحين وجنود الحراب والفروع الأخرى) والأسطول الذي كان يحمي سواحل مصر البحرية كلها إضافة إلى نهر النيل . لتحمي مياهنا الاقليمية وتدعم توسع الامبراطورية.
خير اجناد الارض ..
ومنذ مجىء عمرو بن العاص فاتحا مصر ناشرا لديانة الاسلامية – مجدت مصر- بالقرآن والسنة أخذ المسلمون بحديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذى قال فيه: «إذا فتح الله عليكم مصر، فاتخذوا فيها جندا كثيفا فإنهم خير أجناد الأرض وهم فى رباط الى يوم الدين»، ومنذ ذلك الحين قادت مصر العالم الاسلامى نحو الفتوحات سواء غربا حتى المغرب العربى أو شرقا وشمالا وفى حروب مواجهة الصليبيين والتتار وغيرهم.
فقد كانت مصر دوما هى درع الأمة بجيشها العظيم وهم من حملوا على عاتقهم مواجهة العدوان الاوروبى الذى سعى لنهب واحتلال الأراضى العربية فقام رجال نجم الدين
أيوب وشجرة الدر بالقضاء على حملة لويس التاسع على مصر والتى اجتمع عليها قادة أوروبا لاحتلال الشرق العربى فدحرهم الجيش المصرى، وقد كان الجيش المصري العماد الأساسي في معركة تحرير مدينة القدس من أيدى الصليبيين في واحدة من المعارك التاريخية على مر العصور ، وكان قائد المعركة البطل صلاح الدين الأيوبي، ولا ينسى التاريخ إنتصار الجيش المصري العظيم بقيادة القائد سيف الدين قطز في معركة “عين جالوت و”هزيمة المغول الذين دمروا الدولة الإسلامية العباسية.
الجيش المصري الحديث ..
وفى العصر الحديث وبتولى محمد على مقاليد الحكم ، عمل على بناء جيش مصري قوي فاستقدم الخبير الفرنسي “سليمان باشا الفرنسي ” لتنظيم وبناء جيش قوي حديث يمكنه خوض الحروب والدفاع عن الأراضي المصرية وتحقيق رغبته فى بناء امبراطورية مصرية اعتمد بشكل أساسى على الجندى المصرى لينطلق بقيادة ابراهيم باشا لتأمين حدود مصر الاستراتيجية من تركيا شمالا إلى الصومال جنوبا ومن جزيرة رودس اليونانية الى بلاد الحجاز نحو اليمن وهى الحملة التى قادها ابنه الثانى طوسون فاجتمعت الدول الأوروبية والقوى العالمية كلها ضد مصر وأنقذوا الدولة العثمانية من الهزيمة على يد الجيش المصري ودمروا الأسطول المصري وكان هدفهم الاساسى تدمير قوة الجيش المصرى رمز القوة والوطنية المصرية.
وعندما حاول الخديوى اسماعيل النهوض بمصر وجيشها كانت دول أوروبا له بالمرصاد خاصة بعد ما اتجه بجيشه نحو حدود مصر الاستراتيجية افريقيا وهى الصومال فأقصوه وأغرقوه وخليفته محمد توفيق فى الديون والرقابة الثنائية والدولية، وقاموا بتغيير هيكل الجيش المصري وخفض عدد قواته وإدخال عناصر أجنبية كقيادات في الجيش.
ثورة عرابى..
ولم يغفل الجيش المصرى يوما عن دوره الوطنى، فبعدما رأى عرابى ورفاقه حالة المهانة التى تعيشها مصر ورغبة دول أوروبا قهر النزعة الوطنية المصرية وبالطبع لم تكن الثورة نتاجا حصريا لسياسات عهد الخديوى توفيق، فمع تضخم الأزمة المالية فى عهد الخديوى اسماعيل تدخلت الدول الكبرى فى شئون مصر عبر انشاء «لجنة صندوق الدين» فى مايو 1876وبعده جاء نظام «المراقبة الثنائية» فى نوفمبر من نفس العام ثم لجنة التحقيق الأوروبية فى يناير1878 التى طالبت بتنازل الخديوى عن أطيانه وأطيان عائلته كرهن لسداد الديون بالإضافة لاحداث تغيير فى الحكم وأن يتنازل عن سلطاته المطلقة فاستجاب لهم اسماعيل وأصدر فى 28أغسطس 1878 قراره الشهير بانشاء مجلس النظار وتخويله مسئولية الحكم وعهد لنوبار باشا بتلك الوزارة التى كانت بداية لوجود وزيرين انجليزى وفرنسى مما أدى لاستياء عام استغله الخديوى اسماعيل فأقال نوبار وعين شريف باشا رئيسا للوزراء واختار جميع اعضائها من المصريين مما أثار جميع دول أوروبا التى احتشدت وأقنعت السلطان العثمانى بعزله وتعيين ابنه توفيق فى 26 يونيو 1879م.
وبمجئ توفيق الذى استسلم لإملاءات فرنسا وانجلترا ورفض دستور شريف باشا طمعا لعودة الحكم المطلق فاستاء الرأى العام والذى زاده سخطا حكومة رياض باشا التى أساءت معاملة الوطنيين وضيقت عليهم الخناق عبر اعادة لجنة المراقبة الثنائية ثم لجنة التصفية ووجود ناظر حربى متعصب للاتراك والشراكسة هو عثمان رفقي الشركسى.
وبدأت ثورة عرابى عندما قدم عريضة فى 15 يناير 1881 ومعه عبدالعال حلمى وعلى فهمى يطلبون عزل وزير الحربية عثمان رفقى فقبض عليهم رياض فثار الجيش المصرى وحرر عرابى وزملاؤه وتحركوا جميعا نحو سراى عابدين مطالبين بإقالة وزير الحربية فاستجاب توفيق وعين محمود سامى البارودى بدلا منه فقد كانت الثورة عسكرية أول الأمر.
ومع المطالب الشعبية برفع الظلم عن الشعب أمر عرابى بحشد الآليات إلى ميدان عابدين صباح 9 سبتمبر 1881 لتقديم مطالب الجيش والأمة بإسقاط كل وزارة رياض وتشكيل مجلس نواب على النسق الأوروبى وزيادة عدد الجيش إلى 18 ألف جندي فإستجاب لهم توفيق وتم تشكيل وزارة شريف باشا الثانية.
بعد ذلك جاءت استقالة شريف الثانية إثر تدخل إنجلترا وفرنسا لمنع مجلس النواب من مناقشة الميزانية فشكلت وزارة جديدة برئاسة محمود سامى البارودى كان فيها أحمد عرابى وزيرا للحربية وهو أول وزير حربية مصرى منذ إنشاء محمد على الجيش المصرى الحديث.
ولأنه وطنى ومن جيش وطنى سعى عرابى للدفع بنشر التعليم الاجبارى وإصلاح المحاكم الأهلية وسعى محمود سامى بدوره لانشاء مجلس أعلى للإدارة والتشريع لكن بريطانيا لم تكن تريد لمصر نهوضا فعقدت مؤتمر الاستانة فى يونيو 1882 لتستغل قيام عرابى بدعم تحصينات قلاع الاسكندرية فطالبوه بوقف هذه التحصينات ، وعندما رفض عرابى إنذارا بتسليم الإسكندرية لقائد البحرية البريطاني هاجمت قوات الأميرال سيمور الاسكندرية واحتمى به الخديوى توفيق الذي أصدر قرار بعزل عرابى فرفض الجيش والشعب ذلك.
وظل عرابي يحارب قوات الغزو البريطاني فى كفر الدوار ثم التل الكبير ولولا خيانة الخديوى توفيق و ديليسبس وخنفس باشا قائد حاميه القاهرة والبدو وشعراوى باشا لكان التاريخ قد تغير.
فبعد صد الانجليز عن كفر الدوار هزموا الجيش المصرى فى التل الكبير يوم 9 سبتمبر 1882 بسبب خيانة البدو ثم سمح الفرنسي “فرديناند ديليسبس للاسطول البريطاني باستخدام قناة السويس مخالفا لاتفاقه مع عرابي ولاتفاقية القسطنطينية التي لاتسمح لقوات الغزو الأجنبي باستخدام القناة.
ودخلوا القاهرة فى 14 سبتمبر ليتم بعدها محاكمة عرابى وصحبه لينفى الى جزيرة سيلان (سريلانكا) وتحتل بريطانيا مصر ويبقى الاحتلال جاثما على صدر مصر 74 عاما كاملة، ورغم سنوات القهر والقمع الاحتلالى كان الجيش المصرى الذى استخدم فى الحربين العالميتين الاولى والثانية لصالح إنجلترا أملا فى وعود منح الاستقلال يغلى سنوات طويلة وهو يرى المهانة فى عزل خديو وتولية سلطان أو ملك وتقسيم الوطن العربى فى معاهدات مثل سايكس بيكو ومنح فلسطين لليهود فى وعد بلفور وهى أمور وغيرها الكثير جعلت الجيش المصري العظيم كالبركان الثائر يغلى تحت الرماد إنتظارا للحظة الحرية من قيده الذى كبله به الحكم الفاسد والحياة السياسية مطاطأة الرأس للملك والاحتلال.
وفي عام 1942 قام عدد من ضباط الجيش بقيادة “جمال عبد الناصر بتكوين تنظيم سري يجهز لتخليص البلاد من الحكم الفاسد والاحتلال البريطاني .
وبعد دخول مصر لحرب فلسطين إثر إعلان قيام دولة إسرائيل على أراضي فلسطين ، حانت فرصة الانطلاق دفاعا عن العروبة وفلسطين ومصر ضد الوجود الاسرائيلى الذى زرعته قوى الاحتلال خاصة بريطانيا ودعمته أمريكا فى المنطقة لمنع إتحادها ولتظل دوما فى حروب مدمرة.
وكانت الخيانة الداخلية – ممثلة في صفقة الأسلحة الفاسدة – والدولية – الممثلة في خرق الهدنة وتسليح اليهود أثنائها- وهي الأمور التى سببت هزيمة الجيش فى حرب 1948.
ولم تتحول غضبة الضباط الأحرار إلى إحباط واستسلام بل كانت حافزا للضباط لأخذ دورهم الوطنى وإصلاح ما أفسده الاحتلال والحكم الضعيف.
ثورة 23 يوليو ..
وفى ليلة 23 يوليو 1952 تحرك جيش مصر العظيم لتطهير نفسه أولا فقد كان البيان الأول الذى أعلن فيه عن تولى محمد نجيب قائدا للقوات المسلحة لا يتعرض للملك بل تحدث عن الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم وهزيمة فلسطين والخيانة وأهداف الجيش وطمأنة الأجانب، ومع الالتفاف الشعبى حوله ونجاح السيطرة على مفاصل البلاد تحولت الحركة العسكرية إلى ثورة شعبية يقودها الجيش متبنيا المطالب الشعبية العامة وهى المطالب التى كانت معدة مسبقا لكن الجيش لم يرد إطلاقها أول الأمر حتى تتضح الرؤى أمامه.
وفى 26 يوليو توجه الجيش بإنذار للملك والذى يقضى بتنازله عن العرش لابنه ومغادرة مصر وقبل فاروق بمطالب الجيش حقنا للدماء وتنازل عن عرشه لإبنه الرضيع “أحمد فؤاد” ورحل عن مصر في مساء نفس اليوم على متن “المحروسة ” التي حملت جده إسماعيل وقت عزله قبل 75 عاما.
وفي فترة رئاسة جمال عبد الناصر بدأ توجه مصر إلى القوى الشرقية لاستيراد الأسلحة التي رفضت عدة دول غربية إمداد جيش مصر بها.
وبالفعل تم استيراد الأسلحة المطلوبة عن طريق جمهورية تشيكوسلوفاكيا السابقة وكان الجيش في مستوي جيد نسبيا .
العدوان الثلاثى ..
وعلى إثر رفض أمريكا والبنك الدولي تمويل بناء السد العالي في اسوان ، قام الزعيم الخالد “جمال عبد الناصر “بتأميم قناة السويس وتحويلها إلى شركة مساهمة مصرية للاستفادة من عوائدها ” 35 مليون جنيه سنويا” في تمويل بناء السد العالي الذي كانت مصر تبني عليه أمالا كبيرة في التنمية الصناعية والزراعية وتوليد الكهرباء، لكن القوى الغربية وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا إغتاظت من أن تصبح القناة تحت السيادة المصرية ، فتحالفت مع العدو الإسرائيلي وتآمرت لإحتلال منطقة القناة وقامت بما سمي بالعدوان الثلاثي عام 1956. وخاض الجيش المصري حربا غير متكافئة ضد ثلاث قوى عسكرية في نفس الوقت لكنه نجح بالتعاون مع المقاومة الشعبية في دحر العدوان الثلاثي وحصر قواته في الضفة الشرقية لقناة السويس ومدينة بورسعيد. ولم تتمكن قوى العدوان من الزحف خارج هذه المنطقة .
وتم وقف القتال وانسحبت قوى العدوان من كافة الأراضي المصرية على مرحلتين في ديسمبر 1956 ومارص 1957. وانتصرت إرادة الأمة المصرية ظلت قناة السويس تحت السادة المصرية للأبد.
حرب 67 ..
لم يكن الجيش المصرى فى ثورة يوليو طامعا لسلطة أو قادة حالمين بكراسى الحكم بل قادة رأوا إحتياجا للبلاد أن يكفلوا بأنفسهم تحقيق آمال الشعب ورغم الأخطاء التى حدثت فقد قاد الجيش المصرى حركة نهوض وطنى في جميع المجالات وكان ملجأ كل الثوار والطامحين للحرية والاستقلال وكان جيش مصر لهم السند والمعين.
ولم تكن حروب 1956 و1967 فى المضمون العام حروبا احتلالية بقدر ما كانت حروبا تدميرية للصحوة المصرية المدعومة بالجيش الوطنى الذى دعم ليبيا واليمن والجزائر وتونس والمغرب وكل الاقطار العربية، فكان لابد من القضاء عليه والقضاء على عبدالناصر أملا أن تعود مصر بعدهما للركوع للمحتل والسطوة الغربية وسياسات الأحلاف السائدة آنذاك، لكن مصر وثورتها لم يرضيا بالتبعية بل بالوحدة العربية والقوة العربية فأقيمت وحدة إندماجية مع سوريا عام 1958 بإسم الجمهورية العربية المتحدة ثم كانت إتفاقية الوحدة مع العراق وسوريا عام 1964 لكن وفاة الرئيس العراقى عبدالسلام عارف عام 1966 ثم حرب 1967 حالا دون اتمامها.
نصر أكتوبر 1973 ..
ونتيجه لإخطاء سياسية وتغليب ذوى الولاء على ذوى الكفاءة حكم على الجيش المصرى بالهزيمة فى معركة1967 التي جاءت تنفيذا لمؤامرة دولية ثانية على مصر شعبا وجيشا وبناءا وتنمية ومشروع نهضة صناعية وزراعية بدأ يؤتي ثماره فكان لابد من وأده. ورغم توتر الأوضاع قبل الحرب ، إلتزمت مصر بتعهدها لأمريكا والإتحاد السوفيتي والمجتمع الدولي بألا تكون البادئة بالعدوان، وللأسف قامت إسرائيل بالعدوان على مصر واحتلت شبه جزيرة سيناء وأعلن الزعيم “عبد الناصر ” تحمله للمسئولية كقائد يحترم شعبه الذي أحبه.
وتنحى عبد الناصر كافة مسئولياته الرئاسية. لكن شعب مصر العظيم كان واثقا من قائده وقدرته على تحويل الهزيمة إلى نصر وخرج شعب مصر عن بكرة ابيه يومي 9 و10 يونيو رافضا لقرار عبد الناصر بالتنحي ومطالبا إياه بالاستمرار في قيادة البلاد حتى إعادة تحرير الأرض. وبالفعل عاد عبد الناصر وبدأ في إعادة بناء الجيش عسكريا ونفسيا وأعاد الثقة لضباطه وجنوده فورا .
وتسابق الآلاف للانضمام للجيش لتقديم ضريبة الدم والشرف كما يسعى الجندى المصرى دوما إما للنصر أو الشهادة دفاعا عن تراب الوطن وكرامته ومستقبله، وبدأت حرب غير منتظمة ضد قوات الاحتلال في سيناءقضت مضاجعهم ولم تجعلهم يهنأون يوما بإحتلال سيناء. تكبدت إسرائيل خلال حرب الاستنزاف خسائر كبيرة في العتاد والأرواح، وكانت حرب الاستنزاف خير إعداد لجنود مصر البواسل للحظة الحاسمة … لحظة تحرير الأرض.
وتوفي الزعيم الخالد جمال عبد الناصر في سبتمبر 1970 وتسلم القيادة رفيقه في السلاح الرئيس ” أنور السادات” واستكمل بناء منظومة تسليح الجيش وإعداده لمعركة التحرير .
وفى ظهر السادس من اكتوبر 1973 إنطلق الجيش المصرى يرفع عن مصر عار الهزيمة فى معركة حقيقية اظهرت معدن الجندى المصرى. واستطاع جنود مصر إيقاع أول هزيمة عسكرية بجيش العدو الإسرائيلي الذي كان يدعي أنه لا يقهر، لكن جيش مصر قهره وهزمه وقطع ذراعه التي كان يتفاخر بطولها وانتصرت إرادة الشعب والجيش المصري وتحررت الأرض السليبة ، ورفع كل مصري وعربي رأسه فخرا بجيش مصر العظيم وانتصاره الكبير.
وشارك جيش مصر بعد ذلك في حرب تحرير الكويت من الغزو العراقي وحقق انتصارات بهرت القادة الأجانب للجيوش الأخرى المشاركة في المعركة، وكان أول جيش يدخل مدينة الكويت المحتلة لتحريرها ويرفع علم مصر فوق سفارتها هناك.
دور الجيش في ثورة 25 يناير .
مع تفجر ثورة 25 يناير أعلن المجلس الأعلى للقوات المسلحة وقوفه إلى المطالب المشروعة للشعب المصري بكافة طوائفه وانتمائاته وهو الأمر الذي أعطى دفعة كبيرة للشعب المصري المنتفض وحين حدث الفراغ الامنى وطلب الرئيس الأسبق “مبارك” من الجيش النزول إلى الشوارع نزلت قوات الجيش للشوارع لإنقاذ مصر من الدمار وكان لهذا النزول عدة مكاسب نذكر منها :
– أنه كان حماية للثورة من البلطجية وأعدائها وهى الحماية التى حفظت لهم الإستقرار والبقاء الآمن .
– أوجدت تلك الحماية لدى الشعب إحساسا بالثقة جعلتهم يطالبون بالمزيد من المطالب .
– كفل نزول الجيش السيطرة على عمليات التدمير التى قام بها عملاء النظام السابق وإيقاف هروب السجناء وحفظ الأمن العام وإيقاف مسلسل القتل وحماية المنشآت العامة والخاصة والارواح والممتلكات.
– حفظ الجيش مصر من إحداث الفتن نتيجة إحتمال إستغلال بعض القوى الخارجية للفراغ الأمنى لتنفيذ خطط عدائية كإستهداف الكنائس وتصويرها للعالم بأن المسلمين بدأوا فى قتل المسيحيين وهو ما وقف الشعب المصرى كله لمنعه.
– حمى الجيش الشعب وعناصر الحكم على حدٍ سواء من حمامات الدم التى كان يمكن أن تراق .
– أسقط الجيش كل محاولات التحريض ضد الثورة والشعب والتى صدرت علنا من بعض المسئولين ليؤكد إنه جزء من هذا الشعب وأنه أبدا لن يكون وسيلة لقتله وقهره.
وأيد الكثير من المحللين قرار الجيش النهائى بأن الشرعية الشعبية الثورية هى الاصلح والباقية فأعاد نشر قواته فى القاهرة والمحافظات وتكثيفها قرب المواقع الحيوية كالقصور الرئاسية والهيئات الكبرى ومبنى الإذاعة والتليفزيون والوزارات إعلانا بأن الأمور تتجه نحو إستلامه السلطة لنقلها للشعب مدنيا كما تعهد بعد ذلك، ثم جاء بيان الجيش الذى أعقب تنحي الرئيس الأسبق مبارك ليطمئن الشعب على أمنه وأمانه ومستقبله بتعهده لحماية الثورة وادارة المرحلة الانتقالية نحو الديمقراطية ومؤكدا أن المجلس الذى فوضه الرئيس الأسبق لادارة شئون البلاد ليس بديلا للشرعية التى يرتضيها الشعب.
ودوليا كانت لحركة الجيش التى تمت بقرار من الرئيس الأسبق لتأمين البلاد ردود فعل إقليمية وعالمية لا يمكن تجاهلها منها على سبيل المثال لا الحصر إدراك القوى الاقليمية خاصة المعادية أن مصر لم تقبل حالة الاستسلام السياسى التى عاشتها لعقود طويلة التى جعلت الكثير من الأقزام يتطاولون عليها ويسعون لنيل مكانتها ليس خطأ منهم بل لان الدور المصرى المتراجع إقليميا ودوليا هو ما سمح لهم بذلك.
لقد ساعد الدور العظيم الذى قام به الجيش فى تأمين وحماية مطالب الشعب والتعهد برعاية الوصول اليها نقلة تاريخية لمسار الحياة المصرية، وحقق الجيش المصرى العظيم ماتعهد به لثوار وشباب 25 يناير وشعب مصر .وكانت التحية العسكرية التى قدمها لأرواح الشهداء اعترافا وتقديرا من المؤسسة العسكرية بمكانة وأهمية ما قدموه لصالح ومستقبل مصر وهو ما يؤكد أن الجيش والشعب سيخطوان معا نحو مستقبل مشرق جديد يتدارك أخطاء الماضى للتعلم والتصحيح حتى تصل مصر للوضع والمكانة التى تستحقها، وأشرف الجيش على المرحلة الانتقالية بكل أمانة ونفذ تعهده بتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية وتسليم السلطة لحكومة منتخبة ورئيس منتخب .
وعلى مدى العام الأول من التجربة الديموقراطية كان الجيش المصري داعما للشرعية الدستورية ، مراقبا محايدا للأوضاع رغم ظهور الدلائل الكثيرة على فشل الرئيس والحكومة في إدارة البلاد سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا .
وتزايد حالة الاستقطاب الديني والانعزال عن الشعب وتدهور الأوضاع الاقتصادية حتى أصبحت البلاد على وشك الانهيار الاقتصادي والاجتماعي، وإزدادت حالة التململ من حكم الرئيس السابق وجماعته حتى تفجرت الأوضاع مما لم يترك مجالا لجيش شعب مصر أن يتحرك لحفظ السلام الاجتماعي ويمنع شبح الحرب الأهلية .
ثورة 30 يونيو ..
وهاهو الجيش المصرى العظيم يعود مرة اخرى لنصرة الشعب الذى انتفض عن بكرة ابيه فى 30 يونيو مطالبا باسقاط الرئيس السابق محمد مرسى وحكم الاخوان الذى ثبت فشله سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ولبى الجيش المصرى رغبات 33 مليون مصري الذين احتشدوا فى الشوارع مطالبين بخلع الرئيس السابق محمد مرسى .
وأعلنت القوات المسلحة وقوفها إلى جانب رغبات الشعب المصري والذى يمثل الشرعية الحقيقية. وأمهلت جميع الأطراف 48 ساعة للاستجابة لمطالب الشعب . ولم يستمع الدكتور مرسي وجماعته لصوت الشعب وأصر على عناده .فماكان من القوات المسلحة إلا أن تحركت لإيقاف المهزلة السياسية والانحياز للشعب المصري قلبا وقالبا، واعلنت خارطة طريق تحدد مستقبل مصر وتشمل خلع الرئيس مرسى وتعطيل العمل بالدستور مؤقتا وتولى رئيس المحكمة الدستورية المستشار عدلى منصور رئاسة مصر مؤقتا لحين تعديل الدستور واجراء مصالحة وطنية وانتخابات برلمانية ورئاسية حرة نزيهة .