كتاب 11

02:58 مساءً EET

جولة الأمير سلمان والبعد الاستراتيجي

تتسم جولة ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير سلمان بن عبدالعزيز بالبعد الاستراتيجي بالنسبة إلى السياسة السعودية من ناحية وجهتها وكذلك توقيتها، وتشمل هذه الجولة زيارة باكستان واليابان والهند ودولة المالديف، إذ تمثل هذه الدول ثقلاً سياسياً واقتصادياً واستراتيجياً في القارة الآسيوية التي بدأت بوادر منافستها للقارتين الأوروبية والأميركية الشمالية واضحة، فهناك دولتان من دول القارة تحتلان المركزين الثاني والثالث اقتصادياً، هما الصين واليابان، والصين مرشحة لقيادة العالم اقتصادياً عام 2019، من هذا المنطلق لا بد من النظر إلى الزيارة، وعرض تاريخ ومستقبل العلاقات بين هذه الدول محط الزيارة من ولي العهد السعودي.

بالنسبة إلى باكستان، المحطة الأولى لزيارة ولي العهد السعودي، فالعلاقات بينها وبين السعودية علاقات تاريخية تتسم بالأخوية منذ استقلال باكستان وانفصالها عن شبه القارة الهندية وتمتد لأكثر من 67 عاماً، لم تشهد في تاريخها تأزماً، فقد شكلت الدولتان عمقاً استراتيجياً لبعضهما، ووقفت المملكة بكل إمكاناتها مع باكستان في أية أزمة واجهتها، وهذه العلاقة تتعمق وتزداد رسوخاً يوماً بعد يوم، إدراكاً من البلدين بمدى أهمية التعاون البناء بينهما.

فالسعودية تمثل رئة اقتصادية لباكستان، من خلال كونها مصدراً ثابتاً للعملات الصعبة التي يحتاج إليها الاقتصاد الباكستاني، وترد من العمالة الباكستانية التي يقدر عددها بأكثر من 1.5 مليون عامل وفني، يحصل الاقتصاد الباكستاني على أكثر من أربعة بلايين دولار سنوياً من هذه الحوالات، إضافة إلى جانب التدريب الذي تقوم به القوات الباكستانية للجيش السعودي في مختلف القطاعات، لذلك هناك فرصة كبيرة جداً لتطوير العلاقات السياسية والاقتصادية بين السعودية وباكستان بشكل يخدم البلدين الشقيقين، من خلال إنشاء صناعات عسكرية متقدمة مشتركة، بتوظيف رأس المال السعودي والأيدي الفنية الباكستانية، فاجتماع المال والخبرات للبلدين ستنتج منها صناعات عسكرية ومدنية تعزز موقع البلدين في المسرح الدولي.

كما أن السعودية تستطيع أن تلعب دوراً محورياً لحل القضية الكشميرية بين باكستان والهند، لأن المملكة تحتفظ بعلاقات مميزة مع البلدين، ما يجعلها وسيطاً مقبولاً ومؤثراً لحل هذه القضية بين البلدين الجارين.

ما يتعلق بزيارة اليابان، فالعلاقات السعودية – اليابانية تمتد لأكثر من 58 عاماً، وهي راسخة ومتطورة في المجالات كافة، خصوصاً الجانب الاقتصادي، فقد وصلت صادرات المملكة لليابان إلى أكثر من 60 بليون دولار، وهي تتصدر صادرات دول مجلس التعاون الخليجي، متفوقة على صادرات المملكة إلى كل من الهند وكوريا الجنوبية.

كما أن الواردات اليابانية إلى المملكة وفي جميع المجالات تملأ الأسواق السعودية، فالعلاقات السعودية – اليابانية بدأت منذ اكتشاف النفط في المنطقة المحايدة (الخفجي)، وبدأت شركة الزيت العربية اليابانية باستخراجه، واستمرت حتى خروج الشركة في بداية عام 2002، لكن اليابان عادت واستثمرت في قطاع البتروكيماويات في شركة بترورابغ، ما يؤكد أهمية تعزيز العلاقات بين البلدين.

ومن هذا المنطلق، وإيماناً من المملكة بأهمية تنويع الخبرات العلمية والاستفادة من كل ما هو جديد ومتطور، قامت بابتعاث العديد من الطلاب، سواء من خلال برنامج خادم الحرمين الشريفين الابتعاث الخارجي أم من خلال الابتعاث المباشر من مختلف القطاعات الحكومية، وذلك لإكمال دراستهم في اليابان والاستفادة من التقدم العلمي الذي وصلت إليه.

المحطة الثالثة للزيارة وهي الهند، فالدولتان تقيمان علاقات مميزة وراسخة، تعود جذورها إلى التجارة القوية التي يعود تاريخها إلى قرون عدة، فالهند وبحكم موقعها وقربها من منطقة شبه الجزيرة العربية، ساهمت في عملية البناء الاقتصادي والتجاري مع دول الخليج العربي، خصوصاً المملكة التي يقيم فيها اليوم أكثر من مليوني مواطن هندي، يعملون في كافة القطاعات الاقتصادية والخدمية، لكن العلاقات السياسية بدأت بشكلها الرسمي منذ إشادة جواهر لال نهرو بحنكة الملك عبدالعزيز عند توحيده للمملكة عام 1932، وتعززت سياسياً عندما أرسى قواعدها الملك فيصل عام 1955 خلال زيارته للهند، تبعتها عام 1956 زيارة رئيس الوزراء الهندي نهرو الذي لقي استقبالاً حاراً وألقى خطاباً في ملعب لكرة القدم في جدة، وهو تكريم وامتياز لم يعطَ لغيره حتى الآن، لذلك نجد أن السعودية كانت لديها رؤية صحيحة لمستقبل الهند، فحرصت منذ استقلال الهند على تعزيز العلاقات معها، وبدأت بتعزيزها بشكل رسمي بعد الحرب العالمية الثانية، إدراكا منها لأهمية الهند باعتبارها لاعباً استراتيجياً في القارة الآسيوية، وكذلك لوجود أكثر من 100 مليون مسلم، فالمملكة إضافة إلى اهتمامها بمصالحها الاقتصادية والسياسية لا تغفل عن مصالح الأقليات المسلمة في الدول غير المسلمة، فالهند دولة لديها قواعد دستورية تحفظ حقوق جميع المواطنين فيها، وهو ما تقدره السعودية للهند، واليوم الهند من الدول الصاعدة اقتصادياً وسياسياً، فمن الطبيعي أن يكون تعزيز العلاقات معها وأشكالها كافة مهماً في السياسة السعودية.

بالنسبة إلى جزر المالديف، فأعتقد أن الزيارة لتعزيز الروابط السياسية والاقتصادية والدينية بين البلدين، فالعديد من الناس لا يعرفون أن جزر المالديف بلد مسلم، وسكانه مسلمون بنسبة 100 في المئة، وكانت مستعمرة بريطانية مدة 78 عاماً، حتى استقلت في عام 1965، وتتكون من 1199 جزيرة، منها 202 جزيرة مأهولة، وعدد سكانها قرابة النصف مليون نسمة، وهي دولة تحتاج إلى دعم سياسي واقتصادي، ولذلك جاءت زيارة ولي العهد الأمير سلمان تعزيزاً للعلاقات وبناء روابط قوية معها سياسياً واقتصادياً، حتى لا تستغل قوى أخرى حاجة جزر المالديف والدخول لها، فموقعها استراتيجي في القارة الآسيوية الصاعدة.

إن زيارة الأمير سلمان لدول مثل باكستان والهند واليابان، تمتد العلاقات معها لأكثر من 60 عاماً، وهي من القوى السياسية والاقتصادية الصاعدة في القارة الآسيوية، تشكل بُعداً استراتيجياً للسعودية، خصوصاً في هذا الوقت بالذات، إذ نرى أن هناك تموضعاً دولياً بدأ يتشكل. فالقوى الغربية بدأت قوتها وسيطرتها السياسية والاقتصادية في العالم تضعف، وهناك قوى أخرى بدأت تتشكل في آسيا، منها الهند واليابان وباكستان، فالبحث عن المصالح والخيارات الاستراتيجية وتنويعها أمر في غاية الأهمية في ظل الصراعات الإقليمية والدولية المتصاعدة الآن.

التعليقات