مصر الكبرى

01:14 صباحًا EET

تحضير العفاريت وصرفها

جمع العلامة الكبيرالأستاذ أحمد تيمور باشا أهم الأمثال الشعبية المصرية في مؤلف واحد صدرت طبعته الثانية الأكثر انتشارا في القاهرة عام 1956 بعد وفاته.

ويرى الأستاذ تيمور وكذلك الكثير من علماء الاجتماع والانثروبولوجيا الثقافية أن الأمثال الشعبية ماهي الاعصارة أو خلاصة تجربة الشعوب والتي تعبر بها عن خبراتها من خلال جمل قصيرة مركزة تصدرها الى الأجيال المتعاقبة أملا في تعليم الأجيال الجديدة استخلاصات تجارب السابقين ومنعا لتكرار أخطائهم واخفاقاتهم. ومن هذه الأمثال التي يتداولها المصريون مثل عامي شهير صيغ باللهجة القاهرية يقول: اللي حضر العفريت .. يصرفه. والمقصود بهذا المثل أن الشخص الذي تسبب في حدوث أزمة كبرى او مشكلة ضخمة هو الوحيد القادر على حلها وفكها بعد أن تسبب في تعقيدها.تذكرت هذا المثل الشعبي وانا أشاهد الجماهير المحمومة الغاضبة بفعل الاساءة الحقيرة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أمام السفارة الامريكية وتصاعد الغضب الكبير والذي صبته الجموع على سفارة البلد الذي يأوي منتجي الفيلم المسيء على أرضه. واظن أن الغضب كان موجها ضد السفارة الأمريكية باعتبار أن أمريكا هي تلك الدولة الشيطان التي تعبر عن الغرب الكريه بشكل عام. كان السيد نادر بكار ومن خلال منبره المفضل- التويتر- أول من دعا الى التجمهر والتظاهر أمام السفارة ورأيناه على شاشات الجزيرة مباشر مصر وغيرها من القنوات المهتمة بالبث الحي لكل مايحدث على أرض مصر –لسبب لا يعلمه إلا الله- وهو يقود الجموع المنتمية إلى التيارات الاسلامية المنظمة بالإضافة الى آخرين استفزهم الفيلم القذر والذي أذاعته قناة الناس الفضائية كاملة – لا أدري كيف أو لماذا- مما زاد الألم والغضب في نفوس الناس. ورغم أن السيد بكار قد اتهم فيما بعد من هاجموا السفارة وانزلوا العلم ومزقوه بانهم مخطئون وانه يرفض ويدين مثل هذا التصرف الى آخره، كما ان الدكتور محمد البلتاجي قال انهم شباب لا يعي ما يفعل وليست لديهم قضية بدليل انهم لم يصلوا الفروض التي آنت أثناء اشتباكهم الأمن امام السفارة.إن الإساءة الى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هي من أبشع وأقسى الأمور وطرا على قلب المسلم. ومن حقنا بلا شك أن نغضب وأن نثور وأن نتجمهر رفضا لهذا العمل الدنيء الذي لا يمكن اعتباره بأي حال من الأحوال حرية تعبير او إبداع فني بل هي محض تهجم واساءة وخاصة ان الدقيقتين اللتان سمحت لنفسي بأن اشاهدهما من الفيلم كانتا في منتهى الرداءة والتفاهة الفنية والتاريخية والادبية. لكن تتابع الاحداث طيلة أيام الاشتباكات امام السفارة تجعلنا نتساءل عن حدود الغضب وكيفيته وآخره. فالاخوة في تيار الإسلام السياسي أصبحوا حكاما واصبح لديهم من المرونة والحكمة السياسية ما يجعلهم يمررون أمورا كانت من الكبائر في عرفهم من قبل. فهم يناضلون من أجل قبول قروض ربوية و يزورون بلاد العالم طلبا للمال والاستثمارات ويقفون تعظيم سلام للأعلام والأناشيد الوطنية للدول الصديقة- رغم رفضهم وتحريمهم لذلك في مصر فقط- وتلتقط لهم الصور مع السيدات في مواقع المسئولية في الدول الغربية والمؤسسات الدولية دون أن تلتزمن بزي شرعي وحتى تبادل الرسائل والفاكسات والتنسيق الامني مع اسرائيل أصبح لا مانع منه حيث أن الضرورات تبيح المحظورات وأن لدينا العديد من الاتفاقات الدولية التي سنلتزم بها.الا أن السيطرة على غضبة الجماهير ليست بالفن الذي يتقنه الحكام الجدد. فقد اعتادوا شحن الناس وشحذهم من أجل الهتاف والتشنج وطلب الثأر والآن يطالبون هؤلاء بأن يضعوا حدا لغضبهم. كلا يا سادة فهذه الجماهير التي دفعتموها الى محيط السفارة الأمريكية ليست محنكة سياسيا مثل حضراتكم ولن تلين عندما تحدثونها عن أهمية العلاقات مع الشيطان الاكبر – أمريكا- وسفارتها. هؤلاء الناس جاءوا الى هذا المكان وليس في ذهنهم مكان زر اطفاء الغضب ولم ينظر أحدهم في ساعته ليقرر الساعة التي سيتوقف فيها عن الغضب ويترك السفارة ويذهب ليدلي بتصريحات اعلامية عظيمة لخمس او ست قنوات تليفزيونية في ليلة واحدة وهو يرتدي بدلة احدث موضة. شباب السلفيين والاخوان والألتراس وجمهور عادي غاضب سمع ان (أمريكا عاملة فيلم بيشتم الرسول) فقط دون اي معلومات إضافية فأصبحت السفارة مصب لغضبة لن ترحم احدا.هكذا اعتاد التيار الديني اللعب بالنار والحشد الانتخابي والجماهيري على أسس دينية وطائفية. احذروا فالعلمانيون يريدون الغاء المادة الثانية. انتبهوا فأمهاتكم ستخلعن الحجاب لو حكم الليبراليون. الكتلة المصرية بتاعت ساويرس والثورة مستمرة بتاعت الشيوعين. ظل الخطاب السياسي مؤسلما والخطاب الاسلامي مسيسا حتى عز على العامة التفريق بين ماهو سياسي وماهو شرعي وسيتسبب هذا الخلط في إفساد العديد من الخطط المستقبلية للحكام الجدد سواء اكانت اقتصادية أو فيما يختص بالعلاقات الخارجية.يا من حضرتم العفريت .. اصرفوه ، أسسوا لشرعية جديدة مبنية على انجازات لا شعارات. كلموا الناس عن النجاحات الاقتصادية والاستثمارات التي ستجلبونها الى البلاد والتحول الديمقراطي والدستور المتوازن الذي ستقدمونه الى الأجيال القادمة. ما هو الموقف القانوني للمسئول عن اذاعة الفيلم القذر كاملا على شاشة قناة الناس. لماذا تحاكمون الناس على ازدراء الاديان في فيلم أو مسرحية وتتركون بعض المتشنجين يقطعون الانجيل ويسبون المسيحية والمسيحيين على شاشات التليفزيون. تركتم شيوخ الفضائيات يكفرون الناس ويشتمونهم فبدأ هؤلاء الشيوخ الآن يحاسبون الرئيس ويلومونه على جلسته الودية مع الفنانين ويطالبونه بالرجوع عن تصريحاته وآرائه التي لا تعجب حضراتهم.احذروا من تحضير عفاريت لن تقدروا على صرفها. ساعدوا البلاد على التخلص من الاحتقان الطائفي. طبقوا نصوص ازدراء الاديان دون تمييز بين اسلام ومسيحية.حضرتوا العفريت.. اصرفوه بقى قبل ما يندار عليكم. احذروا غضبة عفريتكم المدلل.

التعليقات