مصر الكبرى

11:28 مساءً EET

المصريون يطالبون بكشف هوية «طائر النهضة»

حين رفع الراحل العظيم عبدالسلام النابلسي يديه إلى السماء داعياً «ابسطها يا باسط» وهو الذي كان يعاني فقراً هائلاً وجوعاً شديداً، جاء الفرج بـ «حلة» ملوخية سكبتها الراحلة زينات صدقي على رأسه، فقال متأففاً: «ما تبسطهاش أكثر من كده».

وحين تواترت المشاكل الحياتية اليومية، وتصاعدت الأزمات المرورية، وتأزمت أسعار السلع الغذائية، وتأخرت رواتب الموظفين، واستمرت احتجاجات المعلمين، وبدأت إضرابات السائقين، وزادت حدة غليان مشاعر التوتر الشعبي توجهت الأنظار صوب «مشروع النهضة» الذي وعد «الإخوان المسلمون» بتنفيذه، ولسان حالهم يقول: «انهض بنا يا رب».
لكن ما لاح في الأفق كان تفسيراً رئاسياً تلقفته جموع المنتظرين لولادة هلال النهضة بكثير من الشجب والتنديد وقليل من التعاطف والتأييد. واليوم يتوجهون إلى السماء سائرين على نهج النابلسي مطالبين بتوقف «النهضة» عند هذا الحد.
فما أن كتب الناطق باسم الرئاسة ياسر علي في مقال له أن «النهضة ليست مشروعات اقتصادية وتنموية ترتفع مؤشراتها حيناً، وتنخفض حيناً آخر، بل مشروع فكري متكامل»، حتى تلقفته الجموع العنكبوتية مفسرة إياه بأنه تحلل للرئاسة و «الجماعة» من الالتزام بتنفيذ المشروع على أرض الواقع، لا سيما أن ملايين البسطاء تصوروا أن «مشروع النهضة» يساوي توفير فرص عمل ورواجاً اقتصادياً وحياة ورفاهة.
وحين سألت «الحياة» سليمان فتحي (عامل بناء) يصف نفسه بأنه «على باب الله» وضمن عشرات الجالسين على أرصفة منطقة «السبع عمارات» في حي مصر الجديدة انتظاراً لفرصة عمل يومية عن تقويمه للجانب «الفكري» من «مشروع النهضة» وحاجة هذا الجانب إلى «تربة مناسبة تجعل منه مشروعاً متجذراً في تربة الوعي المجتمعي»، وفق ما قال علي، قهقه عالياً وحوقل كثيراً، ثم قال: «يعني إيه؟!».
لكن المعنى ألقى بظلال ثقيلة، وإن كانت خفيفة الظل، على جموع المنتظرين لـ «مشروع النهضة». صحيح أن كلمة «فقط» أسقطت من بعض التغطيات الإعلامية لعنوان «النهضة مشروع فكري وليس اقتصادياً فقط»، إلا أن الرسالة كانت واضحة! تلخصت البدايات في إسقاطات اسمية ساخرة على غرار «اتضح أن النهضة مشروع فكري ونحن اعتقدنا بأنه مشروع مرسي»، أو «النهضة مشروع فكري ومرسي أخذه من دون وجه حق فعجز عن تنفيذه»، بينما طالب آخرون بمحاسبة فكري وليس مرسي في هذه الحال.
أحدهم وعد بأنه «طالما اتضح أن مشروع النهضة فكري، فإن الناخبين سيعطون كذلك أصواتاً فكرية للإخوان في الانتخابات المقبلة». آخرون رأوا الجانب الإيجابي في أن النهضة مشروع «فكري» وليس مشروع «نبيل فاروق» كاتب القصص والمغامرات، «وإلا شوّق الجميع بعبارة: البقية العدد القادم».
ومن دون حاجة إلى انتظار العدد القادم، اجتهد البعض من أجل الوصول إلى تفسير منطقي للجانب الفكري المحتاج إلى تجذر الوعي الفكري المجتمعي قال أحدهم إن «الإخوان في الفترة الأخيرة رددوا غير مرة أن مشروع النهضة نزل ليلعب الكرة في الشارع (وذلك في إشارة إلى النكتة التي تقول إن شخصاً أبلغ صديقه أن أخاه مات، فنصحه أصدقاؤه بضرورة التدرج في الإبلاغ فمثلاً يقول إن فلاناً نزل يلعب الكرة في الشارع، ثم فلان صدمته سيارة فمات. وبعد أيام، هاتف الصديق صديقه مبلغاً إياه أن أمه نزلت تلعب الكرة في الشارع).
آخرون رأوا أنه ربما يكون «مشروع النهضة» بالفعل ما هو إلا طائر بجناحين ومؤخرة، على حد وصف الرئيس مرسي له، وأنه بالتالي طائر وسيظل طوال عمره طائراً. ورجح البعض أن تكون العصفورة رمز «تويتر» هي نفسها «طائر النهضة»، وطالبوا بأن تكون «مؤخرة» الطائر هي الرمز الجديد لـ «تويتر». وأطلق عليه آخرون اسم «طائر النهضة الحزين»، وطالب البعض بوصفة «صدور طائر النهضة في الفرن» أو «أوراكه المقلية» أو «شوربته في الملوخية بالتقلية».
ويبدو أن الجانب الفكري من مشروع النهضة أشعل الأفكار وشجع الإبداعات التي تحتاج شحذاً ذهنياً، فاقترح البعض عمل مسابقة معلومات علمية عبارة عن أسئلة مثل: «أيهما أسرع في الطيران طائر النهضة أم طائر العنقاء؟»، و «هل طائر النهضة يلد أم يبيض؟» و «هل يمكن أن يكون بيض طائر النهضة هو المقصود بمشروع النهضة؟».
ولم تخل سجالات «مشروع النهضة» وطائره من الجانب الدرامي. أحدهم كتب: «مشروع النهضة يذكرني ببروس ويليس الذي قام ببطولة فيلم الحاسة السادسة واتضح في النهاية أنه شبح رجل ميت، لكن استمتعنا بالأداء». وقلب شبح التحلل من التنفيذ العملي للمشروع مواجع آهات الحب وتأوهات الغرام في الأفلام، فكتبت إحداهن: «ما يحدث أقرب ما يكون إلى الشاب الذي أحبته الفتاة وسلمت له نفسها، ثم فاجأها بالعبارة الشهيرة: لم أعدك بالزواج يوماً».
إلا أن الدراما سرعان ما جنحت إلى التراجيديا بالجميع بين ما أشار إليه ياسر علي من عدم إمكانية رؤية اللون الأخضر مرة ثانية على خريطة الوطن طالما الناس يعيشون حال تصحر داخلية على مستوى الفكر والرؤية والوجدان، مع ما قاله نائب المرشد العام لجماعة «الإخوان المسلمين» خيرت الشاطر عن أن تحقيق «مشروع النهضة» يتطلب شعباً مؤهلاً ومتحمساً ومستعداً ومدركاً للدور الذي يجب أن يقوم به. فتذكر بعضهم ما قاله رئيس الاستخبارات الراحل اللواء عمر سليمان حين قال في حوار تلفزيوني عبارته المشهورة: «ذا بيبول آر نوت ريدي فور ديموكراسي»! (الناس ليسوا مستعدين للديموقراطية). ولم يكن هناك بد من استعادة العبارة ولكن بشكلها الجديد: «ذا بيبول آر نوت ريدي فور نهضة»! ويتردد في الأفق سؤال استفهامي استنكاري استجدائي يقول: «بط هوين؟!» (لكن متى؟!).

التعليقات